وصامت وناطق، إلاّ وهو منقاد لمشيئته تعالى غير ممتنع على إرادته، من الفخامة المعربة عن غاية عظمة شأنه تعالى، وكمال كبرياء سلطانه ما لا يخفى على أولى الألباب».
اللطيفة الخامسة: قوله تعالى: ﴿غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ﴾ فيه إيجاز بالحذف أي مسيرة شهر فهو على حذف مضاف والتقدير: غدوّها مسيرة شهر، ورواحها مسيرة شهر، وإنما وجب هذا التقدير لأنّ الغدوّ والرواح ليسا بالشهر، وإنما يكونان فيه، فتنبه له فإنه دقيق.
قال قتادة: «كانت الريح تغدو مسيرة شهر إلى نصف النهار، وتروح مسيرة شهر إلى آخر النهار، فهي تسير في اليوم الواحد مسيرة شهرين».
اللطيفة السادسة: قوله تعالى: ﴿وَمِنَ الجن مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ﴾ الآية فإن قيل: إن الاجماع بالجن فيه مفسدة للإنسان ولهذا قال تعالى:
﴿وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشياطين وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ﴾ [المؤمنون: ٩٧ - ٩٨] فكيف سخّرت الشياطين لسليمان عليه السلام؟
فالجواب: أن ذلك الاجتماع والتسخير كان بأمر الله عَزَّ وَجَلَّ وتسخيره بدليل قوله: ﴿بِإِذْنِ رَبِّهِ﴾ فلم يكن فيه مفسدة وإنما كان فيه مصلحة لسليمان عليه السلام، ولفظ الرب ينبئ عن التربية والحفظ والرعاية، فسليمان عليه السلام كان في حفظ الله ورعايته، فلذلك لم يصله ضرر من جهتهم.
اللطيفة السابعة: قوله تعالى: ﴿وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السعير﴾ في الآية الكريمة إشارة دقيقة إلى أنّ الجن الذين كانوا مسخّرين لسليمان، لم يكونوا من المؤمنين وإنما كانوا من المردة الكافرين، لأنّ سليمان لا يعذِّب المؤمنين ولا يذيقهم أنواع العذاب، لأن كلّ رسول يكون رحيماً