سياسياً، وتفرَّقوا إلى شيعة وخوارج وجمهور، ووُجِدَ من أهل البدع والأهواء مَنْ روَّجوا لبدعهم، وتعصبَّوا لأهوائهم، ودخل فى الإسلام مَن تبطن الكفر والتحف الإسلام بقصد الكيد له، وتضليل أهله، فوضعوا ما وضعوا من روايات باطلة، ليصلوا بها إلى أغراضهم السيئة، ورغباتهم الخبيثة.
* *
* أسبابه:
ويرجع الوضع فى التفسير إلى أسباب متعددة: منها التعصب المذهبى، فإنَّ ما جَدَّ من افتراق الأُمة إلى شيعة تطرَّفوا فى حب علىّ، وخوارج انصرفوا عنه وناصبوه العداء، وجمهور المسلمين الذين وقفوا بجانب هاتين الطائفتين بدون أن يمسهم شئ من ابتداع التشيع أو الخروج، جعل كل طائفة من هذه الطوائف تحاول بكل جهودها أن تؤيد مذهبها بشئ من القرآن، فنسب الشيعة إلى النبى صلى الله عليه وسلم، وإلى علىّ وغيره من أهل البيت - رضى الله عنهم - أقوالاً كثيرة من التفسير تشهد لمذهبهم. كما وضع الحوارج كثيراً من التفسير الذى يشهد لمذهبهم، ونسبوه إلى النبى ﷺ أو إلى أحد أصحابه، وكان قصد كل فريق من نسبة هذه الموضوعات إلى النبى ﷺ أو إلى أحد أصحابه، الترويج للمروى، والإمعان فى التدليس، فإن نسبة المروى إلى الرسول عليه الصلاة والسلام أو إلى أحد الصحابة، تورث المروى ثقة وقبولاً. لا يوجد شئ منهما عندما يُنسب المروى لغير النبى عليه الصلاة والسلام أو لغير صحابى.
كذلك نجد اللون السياسى فى هذا العصر يترك له أثراً بَيِّناً فى وضع التفسير، ويُلاحَظ أن المروى عن علىّ وابن عباس رضى الله عنهما قد جاوز حد الكثرة، مما يجعلنا نميل إلى القول بأنه قد وُضع عليهما فى التفسير أكثر مما وُضِع على غيرهما، والسبب فى ذلك أنَّ علياً وابن عباس رضى الله عنهما من بيت النبوة، فالوضع عليهما يُكسب الموضوع ثقة وقبولاً، وتقديساً ورواجاً، مما لا يكون لشئ مما يُنسب إلى غيرهما. وفوق هذا فقد كان لعلىّ من الشيعة ما ليس لغيره، فنسبوا إليه من القول فى التفسير ما يظنون أنه يُعلى من قدره، ويرفع من شأنه. وابن عباس كان من نسله الخلفاء العباسيون، فوُجِد من الناس مَنْ تزَّلف إليهم، وتقرَّب بكثرة ما يرويه لهم عن جدهم ابن عباس، مما يدل على أن اللون السياسى كان له أثر ظاهر فى وضع التفسير.
كذلك نجد من أسباب الوضع فى التفسير ما قصده أعداء الإسلام الذين اندَّسوا بين أبنائه متظاهرين بالإسلام، من الكيد له ولأهله، فعمدوا إلى الدس والوضع فى التفسير بعد أن عجزوا عن أن ينالوا من هذا الدين عن طريق الحرب والقوة، أو عن طريق البرهان والحُجَّة.
* *


الصفحة التالية
Icon