وعدَّ من الاعتبارات الدينية التى سوَّغت لهم تلقى المرويات فى تساهل وعدم تحر للصحة "أن مثل هذه المنقولات ليست مما يرجع إلى الأحكام فيُتحرَّى فيها الصحة التى يجب بها العمل".
وسواء أكانت هذه هى كل الأسباب أم كانت هناك أسباب أخرى، فإن كثيراً من كتب التفسير قد اتسع لما قيل من ذلك وأكثر، حتى أصبح ما فيها مزيجاً متنوعاً من مخلفات الأديان المختلفة، والمذاهب المتباينة.
* *
* أثر الإسرائليات فى التفسير:
ولقد كان لهذه الإسرائيليات التى أخذها المفسِّرون عن أهل الكتاب وشرحوا بها كتاب الله تعالى أثر سئ فى التفسير، ذلك لأن الأمر لم يقف على ما كان عليه فى عهد الصحابة، بل زادوا على ذلك فرووا كل ما قيل لهم إن صدقاً وإن كذباً، بل ودخل هذا النوع من التفسير كثير من القصص الخيالى المخترَع، مما جعل الناظر فى كتب التفسير التى هذا شأنها يكاد لا يقبل شيئاً مما جاء فيها، لاعتقاده أنَّ الكل من واد واحد. وفى الحق أنَّ المكثرين من هذه الإسرائيليات وضعوا الشوك فى طريق المشتغلين بالتفسير، وذهبوا بكثير من الأخبار الصحيحة بجانب ما رووه من قصص مكذوب وأخبار لا تصح، كما أن نسبة هذه الإسرائيليات التى لا يكاد يصح شئ منها إلى بعض من آمن مِنْ أهل الكتاب، جعلت بعض الناس ينظر إليهم بعين الاتهام والريبة. وسوفَ نعرض لهذا فيما بعد، ونرد عليه إن شاء الله تعالى.
* *
* قيمة ما يُروى من الإسرائيليات:
تنقسم الأخبار الإسرائيلية إلى أقسام ثلاثة، وهى ما يأتى:
القسم الأول: ما يُعلم صحته بأن نُقِل عن النبى ﷺ نقلاً صحيحاً، وذلك كتعيين اسم صاحب موسى عليه السلام بأنه الخضر، فقد جاء هذا الاسم صريحاً على لسان رسول الله ﷺ كما عند البخارى أو كان له شاهد من الشرع يؤيده. وهذا القسم صحيح مقبول.
القسم الثانى: ما يُعلم كذبه بأن يناقض ما عرفناه من شرعنا، أو كان لا يتفق مع العقل، وهذا القسم لا يصح قبوله ولا روايته.
القسم الثالث: ما هو مسكوت عنه، لا هو من قبيل الأول، ولا هو من قبيل الثانى، وهذا القسم نتوقف فيه، فلا نؤمن به ولا نُكذِّبه، وتجوز حكايته، لما تقدَّم من قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تُصَدِّقوا أهل الكتاب ولا تُكَذِّبوهم، وقولوا آمنا بالله وما أُنِزلَ إلينا... " الآية.


الصفحة التالية
Icon