الإلهية القديمة، كما ترى أنه لم يثبت على رأيه وعقيدته فى القَدَر، بل تركها بعد ما تبين له الحق، وندم على ما كان منه بعد أن ظهر له الصواب، وبعد رجوعه عن رأيه لا يصح أن نطعن عليه من هذه الناحية، ولقد كان وهب يرى من نفسه أنه قد جمع علم ابن سلام وعلم كعب، ويحدِّث هو بذلك عن نفسه فيقول: يقولون: عبد الله بن سلام أعلم أهل زمانه، وكعب أعلم أهل زمانه، أفرأيتَ من جمع علمهما؟ - يريد نفسه.
* *
* مطاعن بعض الناس عليه:
ومع تلك المنزلة العالية التى كان عليها وهب، طعن عليه بعض الناس كما طعن على كعب، ورموه بالكذب والتدليس وإفساد عقول بعض المسلمين وعقائدهم، وقد سمعتَ مقالة السيد محمد رشيد رضا فيه وفى كعب، وسمعتَ الرد عليه، كما سمعتَ مقالة الأستاذ أحمد أمين وما تعقبناه به.
* *
* رأينا فيه وشهادات الموثِّقين له:
وأنا وإن كنت لا أنكر أن صاحبنا أكثرَ من الإسرائيليات، وقصَّ كثيراً من القصص إلا أنى لا أتهمه بشئ من الكذب، ولا أنسب إليه إفساد العقول والعقائد، ولا أُحَمله تبعة ذلك، لأن القوم هم الذين أفسدوا بإدخالهم فى التفسير ما لا صلة له به، وبالوضع عليه وعلى غيره ترويجاً للموضوع كما سبق.
ولو أنَّا رجعنا إلى ما قاله العلماء النُقَّاد فى شأن وهب لتبين لنا أنه رجل منزَّه عما رُمِى به، مبرأ من كل ما يخدش عدالته وصدقه. قال الذهبى: كان ثقة صادقاً، كثير النقل من كتب الإسرائيليات. وقال العجلى: ثقة تابعى، كان على قضاء صنعاء، وقال ابن حجر: وهب بن منبِّه الصنعانى من التابعين، وثَّقة الجمهور، وشذَّ الفلاس فقال: كان ضعيفاً، وكان شبهته فى ذلك أنه كان يُتهم بالقول فى القَدَر. وقال أبو زرعة والنسائى: ثقة. وذكره ابن حبان فى الثقات. والبخارى نفسه يعتمد عليه ويُوثَقه، ونرى له فى البخارى حديثاً واحداً عن أخيه همام عن أبى هريرة فى كتابة الحديث، وتابعه عليه معمر عن همام، ولهمام هذا عن أبى هريرة نسخة مشهورة أكثرها فى الصحاح، رواها عنه معمر ويحدِّثنا مثنى بن الصباح. أن وهباً لبث عشرين سنة لم يجعل بين العشاء والصبح وضوءاً.. وغير هذا كثير مما شهد لعدالة الرجل وحسن إيمانه..
ونحن أمام توثيق الجمهور له، واعتماد البخارى وغيره لحديثه، وما ثبت عنه من الورع والصلاح، لا نقول إلا أنه رجل مظلوم من متهميه، ومظلوم هو وكعب من


الصفحة التالية
Icon