أولئك الذين استغلوا شهرة الرجلين ومنزلتهما العلمية، فنسبوا إليهما ما لا يصح عنهما، وشوَّهوا سمعتهما، وعرَّضوهما للنقد اللاذع والطعن المرير!!
* * *
٤- عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج
* ترجمته:
هو أبو خالد - أو أبو الوليد - عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، الأموى مولاهم - أصله رومى نصرانى. كان من علماء مكة ومحدِّثيهم، وهو مِن أول مَنْ صنَّف الكتب بالحجاز، وهو قطب الإسرائيليات فى عهد التابعين، ولو أنَّا رجعنا إلى تفسير ابن جرير الطبرى، وتتعبنا الآيات التى وردت فى النصارى، لوجدنا كثيراً مما يرويه ابن جرير فى تفسير هذه الآيات يدور على عبد الملك، الذى يُعَبِّر عنه دائماً بـ "ابن جريج".
روى عن أبيه، وعطاء بن أبى رباح، وزيد بن أسلم، والزهرى، وغيرهم. وروى عنه ابناه: عبد العزيز ومحمد، والأوزاعى، والليث، ويحيى بن سعيد الأنصارى، وحماد بن زيد، وغيرهم. قال أبو سعد: ولد سنة ٨٠ هـ (ثمانين)، وأما وفاته فمختلف فيها، فمنهم مَن قال: سنة ١٥٠ هـ (خمسين ومائة)، ومنهم مَن قال: سنة ١٥٩ هـ (تسع وخمسين ومائة)، وقيل غير ذلك.
* *
*مبلغه من العلم والعدالة:
ابن جريج - كما قيل - هو أول مَن صنَّف الكتب بالحجاز، ويعدونه من طبقة مالك بن أنس وغيره ممن جمعوا الحديث ودَوَّنوه. قال عبد الله ابن أحمد بن حنبل: قلت لأبى: مَنْ أول مَنْ صنَّف الكتب؟ قال: ابن جريج وابن أبى عروبة. وقال ابن عيينة: سمعت أخى عبد الرزاق بن همام عن ابن جريج يقول: ما دوَّن العلم تدوينى أحد. وقد عُرف عن ابن جريج أنه كان رحَّالة فى طلب العلم، فقد وُلِدَ بمكة ثم طوَّف فى كثير من البلاد، فرحل إلى البصرة واليمن وبغداد. ويقول ابن خلدون فى "العبر": إنه لم يطلب العلم إلا فى الكهولة، ولو سمع فى عنفوان شبابه لحمل عن غير واحد من الصحابة، فإنه قال: كنت أتتبع الأشعار العربية والأنساب فقيل لى: لو لزمتَ عطاء؟ فلزمته ثمانية عشر عاماً".
وقد رويت عن ابن جريج أجزاء كثيرة فى التفسير عن ابن عباس، منها الصحيح، ومنها ما ليس بصحيح، وذلك لأنه لم يقصد الصحة فيما جمع، بل روى ما ذُكِرَ فى كل آية من الصحيح والسقيم.
أما منزلته من ناحية العدالة، فإنه لم يظفر بإجماع العلماء على توثيقه وتثبته فيما يرويه، وإنما اختلفت أنظارهم فيه، فمنهم مَن وثَّقه، ومنهم مَن ضعَّفه. قال فيه


الصفحة التالية
Icon