وفى الحق أن هذا السبب يكاد يكون أخطر الأسباب جميعاً، لأن حذف الأسانيد جعل مَنْ ينظر فى هذه الكتب يظن صحة كل ما جاء فيها، وجعل كثيراً من المفسِّرين ينقلون عنها ما فيها من الإسرائيليات والقصص المخترع على أنه صحيح كله، مع أن فيها ما يخالف النقل ولا يتفق مع العقل.
وإذا كان للوضع خطره، وللإسرائيليات خطرها، فإن هذا الخطر كان من الممكن تلافيه لو ذُكِرت لنا هذه الأقوال بأسانيدها، ولكن حذفها - وللأسف - عمَّى علينا كل شئ، وليت هؤلاء الذين حذفوا الأسانيد وعنوا بجمع شتات الأقوال فعلوا كما فعل ابن جرير من رواية كل قول بإسناده، فهو وإن كان له يتحر الصحة فيما يرويه، إلا أن عذره فى ذلك، أنه ذكر لنا السند مع كل رواية يرويها، وكانوا يرون أنهم متى ذكروا السند فقد خرجوا عن العهدة، فإن أحوال الرجال كانت معروفة فى العهد الأول، وبذلك تعرف قيمة ما يروونه من ضعف وصحة.
وبعد... فهذه هى الأسباب الثلاثة التى يرجع إليها ضعف التفسير المأثور، وكل واحد منهما له خطره وأثره فى التفسير، وقد أدرك المسلمون أخيراً هذا الخطر، وقدَّروا ما كان لهذه الأسباب من أثر، فتداعى علماؤهم وأشياخهم إلى تجريد كتب التفسير من هذه الإسرائيليات، وتطهيرها من كل ما دخل عليها، ولكن لم نجد منهم مَنْ نشط لهذا العمل، وإنَّا لنرجو آملين، أن يهيئ الله للمسلمين من بين علمائنا وأشياخنا مَنْ ينقد لهم هذه المجموعة المركومة من التفسير النقلىَ، على هدى قواعد القوم فى نقد الرواية متناً وسنداً، ليستبعد منها هذا الكثير الذى لا يستحق البقاء، وليستريح الناظرون فى الكتاب الكريم من الوقوف أمام شئ لا أساس له إذا ما حاولوا تفهم آية منه.
وليستُ أظن أن هذا العمل الشاق المضنى يستطيع أن يقوم به فرد وحده، بل لا بد له من جماعة كبيرة، تتفرغ له، ويتسع أمامها الزمن، وتتوفر لديها جميع المصادر والمراجع التى تتعلق بالموضوع وتتصل به.
ذلك ما نرجوه ونأمله، ونسأل الله تعالى أن يحقق الرجاء ويصدق الأمل..
* * *


الصفحة التالية
Icon