بالنصب على أنها مفعول لـ "سخَّرنا" المحذوف، وأن عبد الرحمن الأعرج قرأ "الريحُ" بالرفع على أنها مبتدأ ثم يقول: والقراءة التى لا أستجيز القراءة بغيرها فى ذلك ما عليه قُرَّاء الأمصار لإجماع الحُجَّة من القُرّاء عليه.
ولقد يرجع السبب فى عناية ابن جرير بالقراءات وتوجيهها إلى أنه كان من علماء القراءات المشهورين، حتى إنهم ليقولون عنه: إنه ألَّف فيها مؤلَّفاً خاصاً فى ثمانية عشر مجلداً، ذكر فيه جميع القراءات من المشهور والشواذ وعلَّل ذلك وشرحه، واختار منها قراءة لم يخرج بها عن المشهور، وإن كان هذا الكتاب قد ضاع بمرور الزمن ولم يصل إلى أيدينا، شأن الكثير من مؤلفاته.
* *
*موقفه من الإسرائيليات:
ثم إننا نجد ابن جرير يأتى فى تفسيره بأخبار مأخوذة من القصص الإسرائيلى، يرويها بإسناده إلى كعب الأحبار، ووهب بن منبِّه، وابن جريج، والسدى، وغيرهم، ونراه ينقل عن محمد بن إسحاق كثيراً مما رواه عن مسلمة النصارى. ومن الأسانيد التى تسترعى النظر، هذا الإسناد: حدَّثنى ابن حميد، قال: حدَّثنا سلمة عن ابن إسحاق عن أبى عتاب - رجل من تغلب - كان نصرانياً عمراً من دهره ثم أسلم بعد فقرأ القرآن وفقه فى الدين، وكان فيما ذكر، أنه كان نصرانياً أربعين سنة ثم عمر فى الإسلام أربعين سنة.
يذكر ابن جرير هذا الإسناد، ويروى لهذا الرجل النصرانى الأصل خبراً عن آخر أنبياء بنى إسرائيل، عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [٧] من سورة الإسراء: ﴿إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الآخرة لِيَسُوءُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ المسجد كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً﴾.
كما نراه عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [٩٤] من سورة الكهف: ﴿قَالُواْ ياذا القرنين إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأرض﴾.. الآية.. يسوق هذا الإسناد: حدَّثنا ابن حميد قال: حدَّثنا سلمة قال: حدَّثنا محمد ابن إسحاق قال: حدَّثنى بعض مَنْ يسوق أحاديث الأعاجم من أهل الكتاب ممن قد أسلم، مما توارثوا من علم ذى القرنين أنَّ ذا القرنين كان رجلاً من أهل مصر، اسمه مرزبا بن مردبة اليونانى من ولد يونن بن يافث بن نوح.. إلخ".
... وهكذا يُكثر ابن جرير من رواية الإسرائيليات، ولعل هذا راجع إلى ما تأثَّر به من الروايات التاريخية التى عالجها فى بحوثه التاريخية الواسعة.