عن تحريم ذلك، وإنما ذكرنا ما ذكرنا ليدل على أن لا وجه لقول مَن استدَّل بهذه الآية على تحريم لحم الفرس".
* *
* خوضه فى مسائل الكلام:
ولا يفوتنا أن ننبه على ما نلحظه فى هذا التفسير الكبير، من تعرض صاحبه لبعض النواحى الكلامية عند كثير من آيات القرآن، مما يشهد له بأنه كان عالماً ممتازاً فى أمور العقيدة، فهو إذا ما طبَّق أصول العقائد على ما يتفق مع الآية أفاد فى تطبيقه، وإذا ناقش بعض الآراء الكلامية أجاد فى مناقشته، وهو فى جدله الكلامى وتطبيقه ومناقشته، موافق لأهل السُّنَّة فى آرائهم، ويظهر ذلك جلياً فى رده على القدرية فى مسألة الاختيار.
فمثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى آخر سورة الفاتحة آية [٧] :﴿غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِم وَلاَ الضآلين﴾.. نراه يقول ما نصه: "وقد ظن بعض أهل الغباء من القَدَرية أن فى وصف الله جَلَّ ثناؤه النصارى بالضلال بقوله: ﴿وَلاَ الضآلين﴾ وإضافة الضلال إليهم دون إضافة إضلالهم إلى نفسه، وتركه وصفهم بأنهم المضللون كالذى وصف به اليهود أنه مغضوب عليهم، دلالة على صحة ما قاله إخوانه من جهلة القَدَرية، جهلاً منه بسعة كلام العرب وتصاريف وجوهه. ولو كان الأمر على ما ظنه الغبى الذى وصفنا شأنه، لوجب أن يكون كل موصوف بصفة أو مضاف إليه فعل لا يجوز أن يكون فيه سبب لغيره، وأن يكون كل ما كان فيه من ذلك من فعله، ولوجب أن يكون خطأ قول القائل: تحركت الشجرة إذا حرَّكتها الرياح، واضطربت الأرض إذا حرَّكتها الزلزلة، وما أشبه ذلك من الكلام الذى يطول بإحصائه الكتاب، وفى قوله جَلَّ ثناؤه: ﴿حتى إِذَا كُنتُمْ فِي الفلك وَجَرَيْنَ بِهِم﴾ [يونس: ٢٢] وإن كان جريها بإجراء غيرها إياها، ما يدل على خطأَ التأويل الَذَى تأوَّله مَن وصفنا قوله فى قوله: ﴿وَلاَ الضآلين﴾.. وادعائه أن فى نسبة الله جَلَّ ثناؤه الضلالة إلى مَن نسبها إليه من النصارى تصحيحاً لما ادَّعى المنكرون أن يكوِّن الله جَلَّ ثناؤه في أفعال خلقه بسبب من أجلها وجدت أفعالهم، مع إبانة الله عَزَّ ذكره نصاً فى آى كثيرة من تنزيله: أنه المضل الهادى، فمن ذلك قوله جَلَّ ثناؤه: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتخذ إلاهه هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ الله على عِلْمٍ وَخَتَمَ على سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ على بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ الله أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾ [الجاثية: ٢٣].. فأنبأ جَلَّ ذكره أنه المِضِّلُ الهادى دونَ غيره، ولكن القرآن نزل بلسان العرب على ما قدَّمنا البيان عنه فى أول الكتاب، ومن شأن العرب إضافة الفعل إلى مَنْ وُجِدَ منه وإن كان مشيئة غير الذى وُجِدَ منه الفعل غيره، فكيف بالفعل الذى