قال: "وكثيراً ما يُذكر أنه فيما يتعلق بتفسير القرآن، كان - أى ابن عباس - يرجع إلى رجل يسمى أبا الجلد غيلان بن فروة الأزدى، الذى أثنى الناس عليه بأنه كان يقرأ الكتب، وعن ميمونة ابنته أنها قال: كان أبى يقرأ القرآن فى كل سبعة أيام، ويختم التوراة فى ستة، يقرؤها نظراً، فإذا كان يوم ختمها، حشد لذلك ناس، وكان يقول: كان يُقال تنزل عند ختمها الرحمة، وهذا الخبر المبالغ فيه من ابنته يمكن أن يبين لنا مكان الأب فى الاستفادة من التوراة.
"ومن بين المراجع العلمية المفضِّلة عند ابن عباس، نجد أيضاً كعب الأحبار اليهودى، وعبد الله بن سلام، وأهل الكتاب على العموم، ممن حذر الناس منهم، كما أن ابن عباس نفسه فى أقواله حذَّر من الرجوع إليهم، ولقد كان إسلام هؤلاء عند الناس فوق التهمة والكذب، ورفُِعوا إلى درجة أهل العلم الموثوق بهم.. ولم تكن التعاليم الكثيرة التى أمكَن أن يستقيها ابن عباس، والتى اعتبرها من تلك الأمور التى يُرجع فيها إلى أهل هذا الدين الآخر، مقصورة على المسائل الإنجيلية والإسرائيلية، فقد كان يسأل كعباً عن التفسير الصحيح لأُم القرآن للمرجان مثلاً، وقد رأى الناس فى هؤلاء اليهود أن عندهم أحسن الفهم - على العموم - فى القرآن وفى كلام الرسول (صلى الله عليه وسلم) وما فيهما من المعانى الدينية، ورجعوا إليهم سائلين عن هذه المسائل بالرغم من التحذير الشديد - من كل جهة - من سؤالهم" اهـ.
هذه هى عبارة الأستاذ "جولدزيهر" فى كتابه، ومنها يتضح لنا مبلغ تجنيه على الصحابة وعلى ابن عباس على الأخص.
وقد تابعه الأستاذ أحمد أمين على هذا الرأى، حيث يقول فى "فجر الإسلام": "وقد دخل بعض هؤلاء اليهود فى الإسلام، فتسرَّب منهم إلى المسلمين كثير من هذه الأخبار، ودخلت فى تفسير القرآن يستكملون بها الشرح، ولم يتحرج حتى كبار الصحابة مثل ابن عباس عن أخذ قولهم. روُى أن النبى ﷺ قال: "إذا حدَّثكم أهل الكتاب فلا تُصدِّقوهم ولا تُكذبِّوهم" ولكن العمل كان على غير ذلك، وأنهم كانوا يُصدِّقونهم وينقلون عنهم".
فالأستاذ "جولدزيهر"، والأستاذ أحمد أمين، يريان أن الصحابة - وبخاصة ابن عباس - لم يأبهوا لنهى الرسول صلى الله عليه وسلم، فصدِّقوا أهل الكتاب وأخذوا عنهم الكثير فى التفسير، وأن اللون اليهودى قد صبغ مدارس التفسير القديمة، وبالأخص مدرسة ابن عباس، بسبب اتصالهم بمن دخل فى الإسلام من أهل الكتاب.
* *