قيمة التفسير المأثور عن التابعين
اختلف العلماء فى الرجوع إلى تفسير التابعين والأخذ بأقوالهم إذا لم يُؤثَر فى ذلك شيء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أو عن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.
فنُقِل عن الإمام أحمد رضى الله عنه روايتان فى ذلك: رواية بالقبول، ورواية بعدم القبول، وذهب بعض العلماء: إلى أنه لا يُؤخذ بتفسير التابعى، واختاره ابن عقيل، وحكى عن شعبة. واستدل أصحاب هذا الرأى على ما ذهبوا إليه: بأن التابعين ليس لهم سماع من الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يمكن الحمل عليه كما قيل فى تفسير الصحابى: إنه محمول على سماعه من النبى صلى الله عليه وسلم. وبأنهم لم يشاهدوا القرائن والأحوال التى نزل عليها القرآن، فيجوز عليهم الخطأ فى فهم المراد وظن ما ليس بدليل دليلاً، ومع ذلك فعدالة التابعين غير منصوص عليها كما نُصَّ على عدالة الصحابة. نُقِل عن أبى حنيفة أنه قال: "ما جاء عن رسول الله ﷺ فعلى الرأس والعين، وما جاء عن الصحابة تخيرنا، وما جاء عن التابعين فهم رجال ونحن رجال".
وقد ذهب أكثر المفسِّرين: إلى أنه يؤخذ بقول التابعى فى التفسير، لأن التابعين تلقوا غالب تفسيراتهم عن الصحابة، فمجاهد مثلاُ يقول: عرضتُ المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته، أُوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها. وقتادة يقول: ما فى القرآن آية إلا وقد سمعتُ فيها شيئاً. ولذا حكى أكثر المفسِّرين أقوال التابعين فى كتبهم ونقلوها عنهم مع اعتمادهم لها.
والذى تميل إليه النفس: هو أن قول التابعى فى التفسير لا يجب الأخذ به إلا إذا كان مما لا مجال للرأى فيه، فإنه يؤخذ به حينئذ عند عدم الريبة، فإن ارتبنا فيه، بأن كان يأخذ من أهل الكتاب، فلنا أن نترك قوله ولا نعتمد عليه، أما إذا أجمع التابعون على رأى فإنه يجب علينا أن نأخذ به ولا نتعداه إلى غيره.
قال ابن تيمية: قال شعبة بن الحجاج وغيره: أقوال التابعين ليست حُجَّة، فكيف تكون حُجَّة فى التفسير؟ بمعنى أنها لا تكون حُجَّة على غيرهم ممن خالفهم، وهذا صحيح، أما إذا أجمعوا على الشئ فلا يُرتاب فى كونه حُجَّة فإن اختلفوا فلا يكون قول بعضهم حُجَّة على بعض ولا على مَن بعدهم، ويُرجع فى ذلك إلى لغة القرآن، أو السُّنَّة، أو عموم لغة العرب، أو أقوال الصحابة فى ذلك.
* * *


الصفحة التالية
Icon