عرفانهم، ولم يبلغ إلى الدرجة العليا بنيان إيمانهم، فلم يبلغوا بعد إلى رتبة استحقاق الرؤية واللقاء، ولم يصعدوا إلى درجة الاستقرار والبقاء، فلا بد من ظهور الأنبياء، وقيام الأصفياء، لتربية أشجار الوجودات البشرية، وتكمل معارفهم بالإيمان على ممر الدهور وطى العصور. حتى يبلغوا إلى درجة التمكن والاستقرار، حينئذ يتجلى عليهم رب الأرض والسماء، ويتشرف البالغون منهم إلى درجة المشاهدة واللقاء. فخلاصة تفسير الآية الكريمة: أن موسى عليه السلام قال: ربِّ أرنى أنظر إليك، حيث إن الشعب طلبوا منه رؤية الله تعالى فأجابه الله تعالى: بأنك لن ترانى، لأن بنى إسرائيل لم يبلغوا بعد درجة كمال وجودهم، ولم يستعدوا للقاء معبودهم، فانظر إلى جبال الوجودات، ومقادير
استقرار الإيقان، فإن استقر جبل الوجود فى مقام إيمانه وإيقانه حين تجلَّى المعبود ولم يتزلزل ولم يتزعزع من مقامه حين الشهود، حينئذ استعد للقاء الله، واستحق للوقوف بين يدى الله، والتشرف برؤية الله. ثم تجلَّى الرب لأحد من تلك الأُمة ممن كان من رؤساء الشعب، ومن جبال الإيمان والإيقان، فاندك وجوده، وتضعضع إيمانه، واضطرب إيقانه فانصعق موسى من ذلك الامتحان، وعرف مقدار صعوبة مقام الافتتان، فندم على ما سأل الرؤية للطالبين ورجع فى الحين. وقال: ﴿سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
فانظر إليه كيف أوَّل الأربعين ليلة بأنها أربعين سنة، وهى التى يُبعث الأنبياء على رأسها، وكيف علَّل التعبير بلفظ "ليلة" بأن مدى الأربعين سنة كانت مظلمة كالليالي بظلم فرعون وملئه، وكيف تخلَّص من منافاة لفظ "واعدنا" للمعنى الذى يهذى به. وكيف اتهم التوراة وسائر الكتب العتيقة - بما فيها القرآن طبعاً كما سيأتى بعد - بأنها لا يُعَوَّل عليها فى الروايات التاريخية، وكيف رمى المعتزلة وأهل السُّنَّة بعدم إصابة المعنى الحقيقى للرؤية الواردة فى الآية، وكيف ادَّعى أنه ومَن على شاكلته من البهائيين هم الذين أصابوا المعنى الحقيقى للآية؛ وكيف صرف لفظ "الجبل" عن معناه المراد إلى معنى لا يُفهم من لفظ القرآن وسياق الآية!!... ولستُ فى حاجة إلى أن أبين ما فى هذا التفسير من خطأ وضلال، فإن الحق بَيِّن واضح.
وفي كتاب الدرر البهية، صرَّح أبو الفضائل بأن قصص القرآن غير واقعة، وأنها فى الحقيقة رموز إلى معان خفية فقال: "لا يمكن للمؤرخ أن يستمد معارفه التاريخية من آيات القرآن"، وقال: "إن الأنبياء عليهم السلام تساهلوا مع الأُمم فى معارفهم