التاريخية، وأقاصيصهم القومية، ومبادئهم العلمية، فتكلموا بما عندهم، وستروا الحقائق تحت أستار الإشارات، وسدلوا عليها ستائر بليغ الاستعارات".
ولا شك أن هذه دعوى كاذبة يُراد بها إدخال الشك فى قلوب المؤمنين، وإيهامهم بأن القرآن لا يُعتمَد على ظاهره، وإنما يُعتمد على باطنه الذى عندهم علمه دون مَن عداهم من الناس. وإلى يومنا هذا، وإلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها، لم ولن يقوم دليل تاريخيى أو عقلى على عدم صحة قصة من قصص القرآن، وهو الذى ﴿لاَّ يَأْتِيهِ الباطل مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾. [فصلت: ٤٢].
كذلك نجد أبا الفضائل يعرض فى كتابه المسمى "الدرر البهية" لقوله تعالى فى الآية [٣٩] من سورة يونس: ﴿بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ﴾، ولقوله تعالى فى الآية [٥٣] من سورة الأعراف: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الذين نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بالحق﴾... فيقول:
"ليس المراد من تأويل آيات القرآن معانيها الظاهرية ومفاهيمها اللُّغوية، بل المراد المعانى الخفية التى أطلق عليها الألفاظ على سبيل الاستعارة والتشبيه والكناية"... ثم قال بعد هذا: "قرر الله تنزيل تلك الآيات على ألسنة الأنبياء وبيان معانيها وكشف السر عن مقاصدها إلى روح الله حينما ينزل من السماء"، وقال: "إنما بُعثوا - عليهم السلام - لسوق الخلق إلى النقطة المقصودة، واكتفوا منهم بالإيمان الإجمالى حتى يبلغ الكتاب أجله، وينتهى سير الأفئدة إلى رتبة البلوغ فيظهر روح الله الموعود ويكشف لهم الحقائق المكنونة فى اليوم المشهود"، وقال: "وفى نفس الكتب السماوية تصريحات بأن تأويل آياتها إلى معانيها الأصلية المقصودة لا تظهر إلا فى اليوم الآخر، يعنى يوم القيامة، ومجىء مظهر أمر الله وإشراق آفاق الأرض ببهاء وجه الله". ثم قال: "ولذلك جاءت من لدن نزول التوراة إلى نزول البيان تافهة باردة عقيمة جامدة، بل مضلة مبعدة محرَّفة مفسدة".
ومعلوم أن لفظ التأويل في الآيتين عبارة عن وقوع المخبَر به ولكن يأبى هذا المنحرف المنحرف إلا أن يحمل التأويل على تأويل الآيات إلى المعانى الخفية، وعجيب بعد هذا أن يتهم الرسل بأنهم لا يعرفون تأويل الآيات، لأن وظيفتهم البلاغ فحسب، وأما كشف الستر عن المعانى الخفية فإلى روح الله حين نزوله. وروح الله فى نظره ونظر أشياعه: هو البهاء الذى يُعَبِّر عنه بالنقطة، ويدَّعى أن الرسل أُرسلوا لسوق الخلق إليه، ويدَّعى أيضاً أن ظهوره يكون يوم القيامة، ولا شك أن هذا تفسير بارد عقيم، وجامد مضل، ولكنه لا يريد أن يعترف بهذا، بل نجده يتعسف فيرمى كل التفاسير من


الصفحة التالية
Icon