يقول: "... والظاهر أن جبرائيل هو العقل الفعَّال، وميكائيل هو روح الفلك السادس وعقله المفيض للنفس النباتية الكلية الموكلة بأرزاق العباد، وإسرافيل هو روح الفلك الرابع وعقله المفيض للنفس الحيوانية الكلية الموكلة بالحيوانات، وعزرائيل هو روح الفلك السابع الموكل بالأرواح الإنسانية كلها يقبضها بنفسه أو بالوسائط التى هى أعوانه ويسلمها إلى الله تعالى".
وعند قوله تعالى فى الآيتين [١٩-٢٠] من سورة الرحمن: ﴿مَرَجَ البحرين يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ﴾... يقول: ﴿مَرَجَ البحرين﴾ بحر الهيولى الجسمانية الذى هو الملح الأُجاج، وبحر الروح المجرد الذى هو العذب الفُرات، ﴿يَلْتَقِيَانِ﴾ فى الوجود الإنسانى، ﴿بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ﴾ هو النفس الحيوانية التى ليست فى صفاء الروح المجرَّدة ولطافتها، ولا فى كثرة الأجساد الهيولانية وكثافتها، ﴿لاَّ يَبْغِيَانِ﴾ لا يتجاوز أحدهما حده فيغلب على الآخر بخاصيته، فلا الروح يجرد البدن ويخرج به ويجعله من جنسه، ولا البدن يجسد الروح ويجعله مادياً... سبحان خالق الخلق القادر على ما يشاء".
* *
تأثره فى تفسيره بنظرية وحدة الوجود
كذلك نرى ابن عربى يتأثر فى تفسيره للقرآن بنظرية وحدة الوجود، التى هى أهم النظريات التى بنى عليها تصوفه، فنراه فى كثير من الأحيان يشرح الآيات على وفق هذه النظرية، حتى إنه ليخرج بالآية عن مدلولها الذى أراده الله تعالى.
فمثلاً عندما تعرَّض لقوله تعالى فى أول سورة النساء: ﴿ياأيها الناس اتقوا رَبَّكُمُ الذي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾... الآية، نجده يقول: ﴿اتقوا رَبَّكُمُ﴾ اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، واجعلوا ما بطن منكم - وهو ربكم - وقاية لكم، فإن الأمر ذم وحمد، فكونوا وقايته فى الذم، واجعلوه وقايتكم فى الحمد تكونوا أدباء عالمين".
وفى تفسيره لقوله تعالى فى الآيتين [٢٩-٣٠] من سورة الفجر: ﴿فادخلي فِي عِبَادِي * وادخلي جَنَّتِي﴾.. يقول: ﴿وادخلي جَنَّتِي﴾ التى هى سترى، وليست جنتى سواك، فأنت تسترنى بذاتك الإنسانية فلا أُعرف إلا بك، كما أنك لا تكون إلا بى، فمَن عرفك عرفنى، وأنا لا أُعرف فأنت لا تُعرف، فإذا دخلت جنته دخلت نفسك، فتعرف نفسك معرفة أُخرى، غير المعرفة التى عرفتها حين عرفتَ ربك بمعرفتك إياها، فتكون صاحب معرفتين: معرفة به من حيث أنت، ومعرفة به بك من


الصفحة التالية
Icon