حيث هو لا من حيث أنت، فأنت عبد رأيتَ رباً، وأنت رب لمن له فيه أنت عبد، وأنت رب وأنت عبد لمن له فى الخطاب عهد"... إلخ.
وفى سورة آل عمران عند قوله تعالى فى الآية [١٩١] :﴿رَبَّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً﴾... يقول: "أى شيئاً غيرك، فإن غير الحق هو الباطل، بل جعلته أسماءك ومظاهر صفاتك، ﴿سُبْحَانَكَ﴾ ننزهك أن يُوجد غيرك، أى يُقارِن شىء فردانيتك يُثَنَّى وحدانيتك".
ومثلاً عند قوله تعالى فى الآيتين [٩-١٠] من سورة الشمس: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾... يقول: "تحقيق هذا الذكر أن النفس لا تزكو إلا بربها، فيه تشريف وتعظيم فى ذاتها، لأن الزكاة ربو، فمن كان الحق سمعه وبصره وجميع قواه، والصورة فى الشاهد صورة خلق، فقد زكت نفس مَن هذا نعته، وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، كالأسماء الإلهية لله. والخلق كله بهذا النعت فى نفس الأمر، ولولا أنه هكذا فى نفس الأمر ما صح بصورة الخلق ظهور ولا وجود، ولذلك خاب مَن دسَّاها، لأنه جهل ذلك فتخيل أنه دسَّها فى هذا النعت، وما علم أن هذا النعت لنفسه نعت ذاتى لا ينفك عنه ويستحيل زواله. لذلك وصفه بالخيبة حيث لم يعلم هذا، ولذلك قال: ﴿قَدْ أَفْلَحَ﴾ ففرض له البقاء، والبقاء ليس إلا لله، أو لما كان عند الله، وما ثَمَّ إلا الله، أو ما هو عنده، فخزائنه غير نافدة، فليس إلا صور تعقب صوراً".
وغير هذا كثير من قسر الآيات وإخضاعها لنظرية وحدة الوجود التى يدين بها ابن عربى.
* *
قياسه الغائب على الشاهد
كذلك نجد ابن عربى يفهم بعض النصوص القرآنية فهماً خيالياً منتزعاً من المشاهد المحسوس، فمثلاً عند تفسيره لقوله تعالى فى أول سروة الرحمن: ﴿الرحمان * عَلَّمَ القرآن * خَلَقَ الإنسان * عَلَّمَهُ البيان * الشمس والقمر بِحُسْبَانٍ *والنجم والشجر يَسْجُدَانِ * والسمآء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الميزان * أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِي الميزان * وَأَقِيمُواْ الوزن بالقسط وَلاَ تُخْسِرُواْ الميزان﴾ [الرحمن: ١-٩]. يقول ما نصه: ﴿الرحمان * عَلَّمَ القرآن﴾ على أي قلب نزل، ﴿خَلَقَ الإنسان﴾ فعيَّن له الصنف المنزَّل عليه، ﴿عَلَّمَهُ البيان﴾ أى نزَّل له البيان، فأبان عن المراد الذى فى الغيب، ﴿الشمس والقمر بِحُسْبَانٍ﴾ ميزان حركات الأفلاك، ﴿والنجم والشجر يَسْجُدَانِ﴾ لهذا الميزان، أى


الصفحة التالية
Icon