هو عالَم القبور. أما الصراط فيقول فى شرحه: "اعلم أن العقل يحتاج فى تصور أكثر الكليات إلى استقراء الجزئيات، فلا محالة أنها تحتاج إلى الحس الظاهر، فتعلم أنه يأخذ من الحس الظاهر إلى الخيال إلى الوهم، وهذا هو من الجحيم طريق وصراط دقيق صعب حتى يبلغ ذاته العقل، فهو إذن يرى كيف الحد صراطاً وطريقاً فى عالَم الجحيم، فإن جاوزه بلغ عالَم العقل، فإن وقف فيه وتخيل الوهم عقلاً، وما يشير إليه حقاً، فقد وقف على الجحيم، وسكن فى جهنم، وهلك وخسر خسراناً مبيناً".
كذلك يُفسِّر ابن سينا قوله تعالى فى الآية [٣٠] من سورة المدثر: ﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ﴾ تفسيراً فلسفياً بعيداً عن هدف القرآن، فيقرر أن النفس الحيوانية هى الباقية الدائمة فى جهنم، وهى منقسمة إلى قسمين: إدراكية، وعملية. والعملية: شوقية، وغضبية، والعلمية: هى تصورات الخيال المحسوسات بالحواس الظاهرة، وتلك المحسوسات ستة عشر، والقوة الوهمية الحاكمة على تلك الصور حكماً غير واجب واحدة - ذاتيان، وستة عشر، وواحدة تسعة عشر.. ثم يقول: "وأما قوله: ﴿وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَابَ النار إِلاَّ مَلاَئِكَةً﴾ [المدثر: ٣١] ؛ فمن العادة فى الشريعة تسمية القوى اللطيفة الغير المحسوسة ملائكة".
كما يُفسِّر أبواب الجنَّة الثمانية، وأبواب النار السبعة تفسيراً فلسفياً صرفاً، فيقول: "وأما ما بلَّغ النبى محمد عن ربه عَزَّ وجَلَّ أن للنار سبعة أبواب، وللجنة ثمانية أبواب، فإذ قد عُلِم أن الأشياء المدركَة إما مُدركة للجزئيات كالحواس الظاهرة وهى خمسة، وإدراكها الصور مع المواد، أو مُدركَة متصورة بغير مواد كخزانة الحواس المسماة بالخيال، وقوة حاكمة عليها حكماً غير واجب وهو الوهم، وقوة حاكمة واجباً وهو العقل، فذلك ثمانية. فإذا اجتمعت الثمانية جملة أدت إلى السعادة السرمدية، والدخول فى الجنَّة وإن حصل سبعة منها لا تتسم إلا بالثامن أدت إلى الشقاوة السرمدية. والمستعمل فى اللُّغات أن الشىء المؤدى إلى الشىء يسمى باباً، فالسبعة المؤدية إلى النار سميت أبواباً لها، والثمانية المؤدية إلى الجنة سميت أبواباً لها".
ويُفسِّر ابن سينا قوله تعالى فى الآية [٣٥] من سورة النور: {الله نُورُ السماوات والأرض مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ المصباح فِي زُجَاجَةٍ الزجاجة كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يضياء وَلَوْ لَمْ