تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ على نُورٍ يَهْدِي الله لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ وَيَضْرِبُ الله الأمثال لِلنَّاسِ والله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلَيِمٌ}..
فيقول: "النور اسم مشترك لمعنيين: ذاتى ومستعار، والذاتى هو كمال المشف من حيث هو مشف كما ذكرها أرسطاطاليس، والمستعار على وجهين: إما الخير، وإما السبب الموصل إلى الخير، والمعنّى ههنا هو القسم المستعار بكلى فى قسميه... أعنى أن الله تعالى خير بذاته وهو سبب لكل خير، كذلك الحكم فى الذاتى وغير الذاتى. وقوله: ﴿السماوات والأرض﴾ عبارة عن الكل. وقوله: ﴿كَمِشْكَاةٍ﴾ فهو عبارة عن العقل الهيولانى والنفس الناطقة، لأن المشكاة متقاربة الجدران جيدة التهئ للاستضاءة، لأن كل ما يقارب الجدران كان الانعكاس فيه أشد، والضوء أكثر. وكما أن العقل بالفعل مشبه بالنور، كذلك قابله مشبه يقابله وهو المشف، وأفضل المشفات الهواء، وأفضل الأهوية هو المشكاة، فالمرموز بالمشكاة هو العقل الهيولانى الذى نسبته إلى العقل المستفاد كنسبة المشكاة إلى النور، والمصباح هو عبارة عن العقل المستفاد بالفعل، لأن النور كما هو كمال للمشف كما حدّ به الفلاسفة ومُخرِج له من القوة إلى الفعل، ونسبة العقل المستفاد إلى العقل الهيولانى كنسبة المصباح إلى المشكاة. وقوله: ﴿فِي زُجَاجَةٍ﴾ لما كان بين العقل الهيولانى والمستفاد مرتبة أخرى وموضع آخر نسبته كنسبة الذى بين المشف والمصباح، فهو الذى لا يصل فى العيان المصباح إلى المشف إلا بتوسط وهو المسرجة، ويخرج من المسارج الزجاجة لأنها من المشفات القوابل للضوء. ثم قال بعد ذلك: ﴿كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ﴾ ليجعلها الزجاج الصافى المشف، لا الزجاج الذى لا يستشف، فليس شىء من المتلونات يستشف، ﴿يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ﴾ يعنى به القوة الفكرية التى هى موضوعة ومادة للأفعال العقلية، كما أن الدهن موضوع ومادة للسراج.. " وهكذا استمر ابن سينا فى شرح هذه الآية فارجع إليه إن شئت، وسترى أن شرحه هذا مزيج من فكرتى أفلاطون وأرسطو حيث جمع فيه بين ما يُعرف لأفلاطون من التعبير بـ "الخير" و "الكل"، وما يُعرف لأرسطو من أقسام العقل.
ويقول فى تفسير قوله تعالى فى الآية [٤] من سورة الفلق: ﴿وَمِن شَرِّ النفاثات فِي العقد﴾ :"قوله تعالى: ﴿وَمِن شَرِّ النفاثات فِي العقد﴾ إشارة إلى القوة النباتية: فإن النباتية موكلة بتدبير البدن ونشوه ونموه، والبدن عقد حصلت من عقد بين العناصر الأربعة المختلفة المتنازعة إلى الانفكاك، لكنها من شدة انفعال بعضها عن بعض صارت بدناً حيوانياً. والنفاثات فيها هى القوى النباتية، فإن النفث سبب لأن يصير