ثم نجده بعد أن يسوق هذه الأدلة وغيرها يذكر لنا عن بعض العلماء أنه استنبط أن عمر النبى ﷺ ثلاث وستون سنة من قوله تعالى فى الآية [١١] من سورة المنافقون: ﴿وَلَن يُؤَخِّرَ الله نَفْساً إِذَا جَآءَ أَجَلُهَآ﴾، فإنها رأس ثلاث وستين سورة، وعقَّبها بـ "التغابن" ليُظهر التغابن فى فقده".
* *
أبو الفضل المرسى والتفسير العلمى
ثم ذكر عن أبى الفضل المرسى أنه قال فى تفسيره: "جمع القرآن علوم الأوَّلين والآخرين، بحيث لم يحط بها علماً حقيقة إلا المتكلم به، ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم، خلا ما استأثر به سبحانه وتعالى، ثم ورث عنه معظم ذلك سادات الصحابة وأعلامهم، مثل الخلفاء الأربعة، وابن مسعود، وابن عباس حتى قال: لو ضاع لى عقال بعير لوجدته فى كتاب الله تعالى، ثم ورث عنهم التابعون بإحسان، ثم تقاصرت الهمم، وفترت العزائم، وتضاءل أهل العلم وضعفوا عن حمل ما حمله الصحابة والتابعون من علومه وسائر فنونه، فنوَّعوا علومه، وقامت كل طائفة بفن من فنونه، فاعتنى قوم بضبط لغاته، وتحرير كلماته، ومعرفة مخارج حروفه، وعددها، وعدد كلماته، وآياته، وسوره، وأحزابه، وأنصافه، وأرباعه، وعدد سجداته، والتعليم عند كل عشر آيات... إلى غير ذلك من حصر الكلمات المتشابهة، والآيات المتماثلة، من غير تعرض لمعانيه، ولا تدبر لما أُودع فيه، فسُمُّوا القُرَّاء.
واعتنى النحاة بالمعرب منه والمبنى من الأسماء والأفعال، والحروف العاملة، وغيرها، وأوسعوا الكلام فى الأسماء وتوابعها، وضروب الأفعال. واللازم، والمتعدى، ورسوم خط الكلمات، وجميع ما يتعلق به، حتى إن بعضهم أعرب مشكله، وبعضهم أعربه كلمة كلمة.
واعتنى المفسِّرون بألفاظه، فوجدوا منه لفظاً يدل على معنى واحد، ولفظاً يدل على معنيين، ولفظاً يدل على أكثر، فأجروا الأول على حكمه، وأوضحوا معنى الخفى منه، وخاضوا فى ترجيح أحد محتملات ذى المعنيين والمعانى، وأعمل كل منهم فكره، وقال بما اقتضاه نظره.
واعتنى الأُصوليون بما فيه من الأدلة القطعية، والشواهد الأصلية والنظرية، مثل قوله تعالى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا﴾... إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة، فاستنبطوا منها أدلة على وحدانية الله، ووجوده، وبقائه، وقِدَمه، وقُدرته، وعلمه، وتنزيهه عما لا يليق به، وسموا هذا العلم بأُصول الدين.
وتأملت طائفة منهم معانى خطابه، فرأت منها ما يقتضى العموم، ومنها ما يقتضى