الكلمات اللُّغوية، فما من لغة فى الأرض إلا وأرجعها أهلها إلى حروفها الأصلية، سواء أكانت اللُّغة العربية أم اللُّغات الأعجمية، شرقية وغربية، فلا صرف، ولا إملاء، ولا اشتقاق إلا بتحليل الكلمات إلى حروفها، ولا سبيل لتعليم لغة وفهمها
إلا بتحليلها، وهذا هو القانون المسنون فى سائر العلوم والفنون.
ولا جرَمَ أن العلوم قسمان: لُغوية وغير لُغوية، فالعلوم اللُّغوية مقدمة فى التعليم، لأنها وسيلة إلى معرفة الحقائق العلمية من رياضية وطبيعية وإلهية، فإذا كانت العلوم التى هى آلة لغيرها لا تُعرف حقائقها إلا بتحليلها إلى أصولها، فكيف إذن تكون العلوم المقصودة لنتائجها المادية والمعنوية؟ فهى أولى بالتحليل وأجدر بإرجاعها إلى أُصولها الأوَّلية التى لا تعرف الحساب إلا بمعرفة بسائط الأعداد، ولا الهندسة إلا بعد علم البسائط والمقدمات، ولا علوم الكيمياء إلا بمعرفة العناصر وتحليل المركبات إليها، فرجع الأمر إلى تحليل العلوم".
ومثلاً نراه يعرض لقوله تعالى فى الآية [٢٤] من سورة النور: ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾..
وقوله فى الآيات [٢٠ - ٢٢] من سورة فُصِّلت: ﴿حتى إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قالوا أَنطَقَنَا الله الذي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ ولاكن ظَنَنتُمْ أَنَّ الله لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ﴾.
وقوله فى الآية [٦٥] من سورة يس: ﴿اليوم نَخْتِمُ على أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾.
ثم يقول: "أو ليس الاستدلال بآثار الأقدام، وآثار أصابع الأيدى فى أيامنا حاضرة، هو نفس الذى صرَّح به القرآن، وإذا كان الله يعلم ما فى المواطن بل هو القائل للإنسان: ﴿كفى بِنَفْسِكَ اليوم عَلَيْكَ حَسِيباً﴾ [الإسراء: ١٤]، والقائل: ﴿بَلِ الإنسان على نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ﴾ [القيامة: ١٤]، أفلا يكون ذكر الأيدى والأرجل والجلود وشهادتها يوم القيامة ليلفت عقولنا إلى أن من الدلائل ما ليس بالبيِّنات المشهورة عند المسلمين؟ وأن هناك ما هو أفضل منها؟... وهى التى يحكم بها الله فاحكموا بها. ويكون ذلك القول لينبهنا ويفهمنا أن الأيدى فيها أسرار، وفى الأرجل أسرار، وفى النفوس أسرار: فالأيدى لا تشتبه، والأرجل لا تشتبه، فاحكموا على الجانين والسارقين بآثارهم.. أوَ ليس فى الحق أن أقول: إن هذا من معجزات القرآن وغرائبه؟ وإلا فلماذا هذه المسائل التى ظهرت فى هذا العصر تظهر فى القرآن بنصها وفصها".