ووجدنا من أصحاب هذا اللَّون رجلاً آخر دفعه حب التجديد المزيف إلى أن يساير روح الإلحاد ويجارى من يتهمون الشريعة الإسلامية بالقسوة فى أحكامها وحدودها. فراح يتأوَّل آيات الحدود بما يوافق هواه وهوى أصحابه، فحمل الأمر فيها على الإباحة.. وجعل الأمر فى ذلك مُفوَّضاً إلى رأى ولى الأمر وحده، وهو وإن كان قد استعمل الأسلوب اللَّولبى فيما أبداه، وطرح الموضوع الذى عالجه فى صورة سؤال ألقاه شخص خالى الذهن ليتعرف وجه الحق فى المسألة، هو وإن كان قد فعل ذلك مفضوح أمره فصدر المقال يكشف لنا عن نية صاحبه، ويفيدنا بكل صراحة أن الكاتب يريد أن يتأوَّل آيات الحدود بحمل الأوامر الواردة فيها على الإباحة، وإليك ما جاء فى هذه المقالة لتقف على حقيقة الأمر، ولتعرف نية الكاتب وما يهدف إليه فى مقاله..
قال هذا الكاتب تحت عنوان "التشريع المصرى وصلته بالفقه الإسلامى": "قرأت فى السياسة الأسبوعية الغرَّاء مقالاً بهذا العنوان، حوى أفكاراً أثارت فى نفسى من الرأى ما كنت أريد أن أُرجئه إلى حين، فإن النفوس لم تتهيأ بعد لفتح باب الاجتهاد، حتى إذا ظهر المجتهد فى هذا العصر برأى جديد، كتلك الآراء التى كان يذهب إليها الأئمة المجتهدون فى عصور الاجتهاد، قابلها الناس بمثل ما كانت تُقابَل به تلك الآراء من الهدوء والسكون، وإن بدا عليها ما بدا من الغرابة والشذوذ، لأن الناس فى تلك العصور كانوا يألفون الاجتهاد وكانوا يألفون شذوذه وخطأه، إلفهم لصوابه وتوفيقه، أما فى هذا العصر، فإن الناس قد بَعُد بهم العهد بالاجتهاد، حتى صار كل جديد يظهر فيه شاذاً فى نظرهم، وإن كان فى الواقع صواباً وما أسرعهم فى ذلك إلى التشنيع والطعن فى الدين، والمحاربة فى الرزق، فلا يجد من يرى شيئاً من ذلك إلا أن يكتمه أو يُظهره بين أخصائه، ممن يأمن شرهم ولا يخاف كيدهم، وتضيع بهذا على الأمة آراء نافعة فى دينها ودنياها، ولكنى سأقدم على ما كنت أريد إخفاءه من ذلك إلى حين، وسأجتهد ما أمكننى فى أن لا أدع لأحد مجالاً فى ذلك التشنيع الذى يقف عقبة فى سبيل كل جديد".
ثم أشاد بما كتبه صاحب المقال المشار إليه ثم قال: "ولكن يبقى بعد هذا فى تلك الحدود ذلك الأمر الذى سنثيره فيها، ليُبحث فى هدوء وسكون. فقد نصل فيه إلى تذليل تلك العقبة التى تقوم فى سبيل الأخذ بالتشريع الإسلامى من ناحية تلك الحدود بوجه آخر جديد.. وسيكون هذا بإعادة النظر فى النصوص التى وردت فيها تلك الحدود، لبحثها من جديد بعد هذه الأحداث الطارئة، وسأقتصر فى ذلك - الآن - على ذكر ما ورد فى تلك الحدود من