النصوص القرآنية، وذلك قوله تعالى فى حد السرقة: ﴿والسارق والسارقة فاقطعوا أَيْدِيَهُمَا جَزَآءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ الله والله عَزِيزٌ حَكِيمٌ * فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ الله يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [المائدة: ٣٨-٣٩]، وقوله تعالى فى حد الزنا: ﴿الزانية والزاني فاجلدوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ الله إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ المؤمنين﴾ [النور: ٢].. فهْل لنا أن نجتهد فى الأمر الوارد فى حد السرقة وهو قوله تعالى: ﴿فاقطعوا﴾، والأمر الوارد فى حد الزنا وهو قوله تعالى: ﴿فاجلدوا﴾ فنجعل كلاً منهما للإباحة لا للوجوب، ويكون الأمر فيهما مثل الأمر فى قوله تعالى: ﴿يابنيءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ واشربوا وَلاَ تسرفوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المسرفين﴾ [الأعراف: ٣١]، فلا يكون قطع يد السارق حداً مفروضاً، لا يجوز العدول عنه فى جميع حالات السرقة، بل يكون القطع فى السرقة هو أقصى عقوبة فيها، ويجوز العدول عنه فى بعض الحالات إلى عقوبات أُخرى رادعة، ويكون شأنه فى ذلك شأن كل المباحات التى تخضع لتصرفات ولى الأمر، وتقبل التأثر بظروف كل زمان ومكان. وهكذا فى حد الزنا سواء أكان رجماً أم جَلْداً، مع مراعاة أن الرجم فى الزنا لا يقول به فقهاء الخوارج، لعدم النص عليه فى القرآن الكريم، وهل لنا أن نذلل بهذا عقبة من العقبات التى تقوم فى سبيل الأخذ بالتشريع الإسلامى، مع أنَّا فى هذه الحالة لا نكون قد أبطلنا نصاً
ولا ألغينا حداً، وإنما وسَّعنا الأمر توسيعاً يليق بما امتازت به الشريعة الإسلامية من المرونة والصلاحية لكل زمان ومكان، وبما عُرِف عنها من إيثار التيسير على التعسير. والتخفيف على التشديد".
فأنت ترى من هذا المقال مقدار ما وصل إليه الكاتب من الجرأة على كتاب الله، إذ أوَّل آية السرقة وآية الزنا تأويلاً غير مقبول بأى حال من الأحوال، ومَن ينظر إلى آية السرقة وآية الزنا لا يفهم منهما إلا أن الأمر فيهما للوجوب، فليس لأحد أن يعدل عنه مطلقاً، وذلك الأمر فى قوله تعالى: ﴿فاقطعوا﴾، وقوله: ﴿فاجلدوا﴾ وارد فى الوجوب القاطع، فإن بناء الأمر بالقطع فى آية السرقة على قوله: ﴿والسارق والسارقة﴾، وبناء الأمر بالجلد فى آية الزنا على قوله: ﴿الزانية والزاني﴾ يصرفه عن احتمال الإباحة إلى الوجوب، وهذا لأن تعليق الحكم على شخص، موصوف بوصف يؤذن بأن المقتضى للحكم هو ذلك الوصف الذى قام بالشخص، وإذا كان ذلك الوصف جناية مثل السرقة والزنا ووضع الشارع لهما حكماً فى صيغة الأمر ولم يذكر حكماً غيره، لا يصح أن يُقال: إن هذا الأمر محتمل للإباحة كما احتملها الأمر فى قوله: ﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾... الآية.


الصفحة التالية
Icon