ثم إن قوله تعالى فى آية السرقة: ﴿جَزَآءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ الله والله﴾، وقوله فى آية الزنا، ﴿وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ الله﴾، وقوله: ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ المؤمنين﴾ يؤكد أن الأمر فى الآيتين للوجوب لا للإباحة.
ثم إن هناك من سُنَّة رسول الله ﷺ القولية والعملية ما يؤكد كون الأمر للوجوب فى الآيتين.
فهل يجوز للكاتب بعد هذا كله أن يتهجم على آيات الحود بمعول ذلك التأويل الذى تنكره اللُّغة. ولا تقره السُّنَّة ولا يتفق وحكمة التشريع؟ اللَّهم إن هذا التأويل لا يجوز، ولهذا فإنه لم يصادف غفلة من عقول العلماء وأقلامهم، فقام كثير منهم بالرد على صاحبه، وتفنيد ما ذهب إليه، ولقد تنبه القائمون على أمر الأزهر حينئذ إلى خطر هذا الرأى وما يجره على الدين من بلاء. فجوزى صاحب المقال على ما كان منه جزاءً إن كان بسيطاً فى حد ذاته، فهو يدل على أن أفكار الكاتب لم تلق قبولاً ولم تجد رواجاً فى محيط العلماء.
* *
ووجدنا غير هذا وذاك مَن تأثر ببعض الآراء الفلسفية فراح ينكر بعض الحقائق الدينية الثابتة، ويتأوَّل ما ورد منها فى القرآن بما يتمشى مع مذاهب الفلاسفة، فأنكر حقيقة الشيطان، وتأوَّل ما جاء من لفظ الشيطان فى قوله تعالى فى الاية [١١٧] من سورة النساء: ﴿إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَّرِيداً﴾، فقال ما نصه: "والمعنى أن هؤلاء لم يجيبوا حين أشركوا بالله داعى العقل أو داعى الفِطْرة، وإنما أجابوا نزعات الشر المنبثة فى العالَم على مقتضى سُنَّة الله من الابتلاء بعوامل الخير وعوامل الشر، فهم بذلك يتبعون قوة خفية أُطلق عليها كلمة "شيطان" جرياً على عادة العرب المألوفة، إذا كانوا يتصورون قوى الشر شياطين تتحدث وتناجى وتغرى وتدفع إلى ما تريد"..
ثم قال: "هذا هو الشيطان الذى يُلَبِّى المشرك بإشراكه أمره. ويتخذه ولياً بأمره وينهاه".
وفى موضع آخر نجد صاحب هذا الرأى يعود إليه فيؤكده، ولست أدرى ماذا يفعل فى سياق الآية. وفى القرائن التى احتفت بها، والصفات التى انتظمتها مما يؤكد أن المراد هو إبليس، ذلك الكائن الخارجيى المستقل المستتر عن أعين الناس، كما


الصفحة التالية
Icon