﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾ ﴿لَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى﴾ ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ﴾ ﴿طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ﴾
"ومنه حذف الأجوبة وهو أبلغ من الذكر. وما جاء منه في القرآن كثير كقوله جل ثناؤه: ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى﴾ كأنه قيل: لكان هذا القرآن. ومنه: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾ كأنه قيل: حصلوا على النعيم المقيم الذي لا يشوبه التنغيص والتكدير.
"وإنما صار الحذف في مثل هذا أبلغ من الذكر لأن النفس تذهب فيه كل مذهب، ولو ذكر الجواب لقصر على الوجه الذي تضمنه البيان.
"وأما الإيجاز بالقصر دون الحذف فهو أغمض من الحذف وإن كان الحذف غامضاً، للحاجة إلى العلم بالمواضع التي يصلح فيها من المواضع التي لا يصلح. فمن ذلك:
﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾
﴿يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ﴾
﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ﴾
﴿إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ﴾
﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾
واستطرد الرماني إلى بيان وجه الإعجاز بإيجاز القصر في قوله تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾ عن طريق المقارنة بينها وبين ما استحسنه الناس من الإيجاز في قولهم: "القتل أنفى للقتل" فذكر أن التفاوت بينهما يظهر من أربعة أوجه:
- أن العبارة القرآنية أكثر فائدة، ففيها كل ما في قولهم: القتل أنفى للقتل، مع زيادة معان حسنة، منها إبانة العدل لذكره القصاص، وإبانة الغرض المرغوب فيه لذكره الحياة، والاستدعاء بالرغبة والرهبة لحكم الله.
- الإيجاز في العبارة، فعدد حروف "القتل أنفى للقتل" أربعة عشر حرفاً


الصفحة التالية
Icon