"ثم إن تلك الحروف بحيث تكون أتم في إفادة المقصود الذي هو التنبيه، من تقديم الحروف التي لها معنى... لأن المقدَّم إذا كان كلاماً منظموماً وقولاً مفهوماً، فربما يظن السامع أنه كل المقصود ولا كلام بعد ذلك، فيقطع الالتفات عنه. أما إذا سمع صوتاً بلا معنى فإنه يقبل ولا يقطع نظره عنه ما لم يسمع غيره، لجزمه بأن ما سمعه ليس هو المقصود. فإذن تقديم الحروف التي لا معنى لها في هذا الموضع، على الكلام المقصود، فيه حكمة بالغة".
استجاده الإمام الجويني، أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف، فقال: "القول بأنها تنبيهات جيد، لأن القرآن كلام عزيز وفوائده عزيزة، فينبغي أن يرد على سمع متنبه، فكان من الجائز أن يكون الله قد علم في بعض الأوقات كونَ النبي - ﷺ - في عالم البشر مشغولاً، فأمَر جبريَل بأن يقول عند نزوله: "الم" و"الر" و"حم"... ليسمع النبي صوت جبريل فيقبل عليه ويصغى إليه. وإنما لم يستعمل الكلمات المشهورة في التنبيه كـ: ألا وأمَا... لأنها من الألفاظ التي يتعارفها الناس في كلامهم، والقرآ، كلام لا يشبه الكلام، فناسبَ لأن يؤتىَ فيه بألفاظِ تنبيه لم تُعهد، ليكون أبلغ في قرع سمعه".
* * *
وقيل هي من حروف الجُمَّل، أو ما يسمونه "حساب أبي جاد" ويعنون به الأبجدية: أبجد هوز حطي كلمن...
واتجهوا بدلالة الأعداد فيها، إلى مدة المِلة أو مدة الأمم السابقة، أو مدة الدنيا!...
ولعل كل المرويات في تأويلها على حساب أبي جاد - مع اختلاف دلالته - تبدأ من قصة "حُيَىَّ بن أخطب اليهودي" وقد نقلها "ابن إسحاق" مفصلة في (السيرة النبوية) مع ما نقل من كيد يهود للإسلام، وجدلهم المعنت للمصطفى عليه الصلاة