لكل سورة منها ألا يناسبها غير الواردة فيها. فلو وضع (ق) في موضع (ن) لم يكن، لعدم التناسب الواجب مراعاته في كلام الله. وسورة ق بدئت به لما تكرر فيها من الكلمات بلفظ القاف، من ذكر: القرآن، والخلق، وتكرار القول ومراجعته مراراً، والقرب من ابن آدم، وتلقي الملكين، وقول العتيد، وذكر الرقيب والسائق، والقرين، والإلقاء في جهنم، والتقدم بالوعيد، وذكر المتقين والقلب، والقرن، والتنقيب في البلاد، وتشقق الأرض، وإلقاء الرواسي فيها، وبسوق النخل، والرزق، والقوم، وخوف الوعيد وغير ذلك...
"وتأمب ما اشتملت سورة (ص) على خصومات متعددة، فأولها خصومة الكفار مع النبي - ﷺ -، اختصام الخصمين عند داود، ثم تخاصم أهل النار، ثم اختصام الملأ الأعلى في العلم، ثم تخاصم إبليس في شأن آدم... وكذلك سورة (ن، والقلم) : فإن فواصلها كلها على هذا الوزن، مع ما تضمنت من الألفاظ النونية"
ولا أدري ما وجهه، وفي فواصل سورة القلم: عظيم، الخرطوم، زعيم، مكظوم، مذموم. مع: يكتبون، الصالحين، متين، مثقلون!
ويبدو أن الملحظ لما لم يطرد في سائر السور المفتتحة بالحروف، عمد الزركشي إلى التأويل والتخريج، حتى خرج بها إلى إشاريات بعيدة من مثل قولها:
"و (الم) جمعت المخارج الثلاثة: الحلق واللسان والشفتين، على ترتيبها. وذلك إشارة إلى البداية التي هي بدء الخلق، والنهاية التي هي بدء الميعاد، والوسط الذي هو المعاش من التشريع بالأوامر والنواهي، وكل سورة افتتحت بها (الم) فهي مشتملة على الأمور الثلاثة.
"وسورة الأعراف زيد فيها الصاد على (الم) - المص - لما فيها من شرح القِصص: قصة آدم فمن بعده من الأنبياء، ولما فيها من ذكر ﴿فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ﴾ ولهذا قال بعضهم، معنى (المص) :﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾.