واضح أن الآيات موجهه إلى تأييد نبوة المصطفى عليه الصلاة والسلام، تثبيت قلبه في مواجهة من يكذبونه ويجادلون في معجزته، فيزعمون أن هذا القرآن من مثل ما يسطرون من أساطير الأولين.
والرسول في أول عهده بالوحي كان في أشد الحاجة إلى ما يثَّبت فؤاده ويذهب عنه قلق النفس وشواغل البال من ناحية المشركين من طواغيت قريش. وقد وصفوه بالجنون حين دعاهم إلى ترك أوثانهم التي وجدوا آباءهم لها عابدين.
وزعموا أن هذا القرآن أساطير الأولين. وإنهم لعلى عِلم بتلك الأساطير، وفيهم من كان يكتبها ويتلو منها تحدياً للمصطفى عليه الصلاة والسلام. على ما في (السيرة النبوية: ١ / ٣٢١).
وهذه هي آيات المعجزة معروضة عليهم بلغتهم وحروفهم، فليقابلوها على ما لديهم مما كانوا يسطرون. ويأتي النذير الصادع في ختام السورة:
﴿فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (٤٤) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (٤٥) أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٦) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤٧) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨) لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (٤٩) فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٥٠) وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (٥١) وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ﴾
لقد بدأ إذن جدل المشركين في المعجزة من أول المبعث، ولم يكن قد نزل من القرآن غير الآيات الأولى من سورة العلق. ومجئ الحرف (ن) في سورة القلم المكية المبكرة، فيه لفت واضح إلى سر الحرف في البيان المعجز: فمن حيث يجادل المشركون في القرآن ويحملونه على أساطير الأولين، يبدأ الاحتجاج للقرآن بأن يعرضوه على ما عرفوا منها، وإن كلماته لمن الحروف التي عرفوها.
ونربط هذا الاحتجاج للمعجزة في سورة ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ بما نزل


الصفحة التالية
Icon