٢ - ما من سورة بُدئت بالحروف المقطعة، إلا كان فيها احتجاج للقرآن وتقرير نزوله من عند الله، ودحض لدعاوى من جادلوا فيه. مع التنظير لموقف المجادلين فيه، بموقف أمم قبلهم كذبوا بآيات الله واستهزئوا برسله تعالى فحق عليهم العقاب.
٣ - أكثر السور المبدوءة بالفواتح، نزلت في المرحلة التي بلغ فيها عتو المشركين أقصى المدى، وأفحشوا في حمل الوحي على الافتراء والسحر والكهانة، فواجههم القرآن بالتحدي. وعاجزهم مجتمعين، ومن ظاهرهم من الجن، أن يأتوا بسورة من مثله مفتراة، أو فليأتوا بعشر سور، أو بحديث مثله، ما داموا يزعمون أن محمداً افتراه وتقوله.
وأفحموا، عجزوا جميعاً عن أن يأتوا بسورة من مثله، وإنه لكتاب عربي مبين: ألفاظه من لغتهم، وحروفه هي حروف معجمهم، تلك الحروف التي تقرأ مقطعة مفردة أو مركبة، فلا تعطي دلالة ما، لكنها حين تأخذ مكانها في القرآن يتجلى سرها البياني المعجز.
* * *
هكذا وقفتُ أمام فواتح السور، فكانت اللمحة المضيئة لسر الحرف. وما أعجب سره:
ما أعجب أن تتحق آيات الإنسان الناطق، بحروف من مثل: ا، ح، ر، س، ص، ط، ع، ق، ك، ل، م، ن، هـ، ى!
حروف صماء، قد تتألف منها أصوات عجماء لا تُبين ولا تنطق.
ومنها تصاغ الكلمات فيحقق بها الإنسان آية نطقه وبيانه، ويحقق آية القراءة والعلم، متميزاً عن الحيوان الأعجم، ومرتقياً بإنسانيته إلى درجتها العليا في الكائنات، ومحتملاً بها أمانة التكليف ومسئولية الخلافة في الأرض.
وبها نزلت آيات المعجزة البيانية، فتجلى سر الكلمة في البيان الأعلى الذي أعيا العربَ أن يأتوا بسورة من مثله، والحروف التي يتألف منها مبذولة لهم في لغتهم التي نزل بها القرآن كتاباً عربياً مبيناً.
* * *


الصفحة التالية
Icon