نقيض البقاء، ومضارعها: يزول واستعمالها تامة، كثير في العربية. وهي تتصرف فيه: فعلاً ومصدراً واسم فاعل ومفعولٍ وزمانٍ ومكان...
على حين تفيد "فتئ" معنى الاستمرار أصالة مستغنية عن حرف النفي. ولا تأتي تامة في العربية، فيما أذكر. وقلما تتصرف فيها إلا بالفعل ماضياً ومضارعاً: فتئ يفتأ. ولا ينفك عنهما معنى الاستمرار.
* * *
وأما ما جوزوا فيه الحذف بغير اطراد، فذكر ابن هشام في (المغني) أنه قيل به في آية: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا﴾ على تقدير: لئلا تضلوا. ثم أضاف: "وقيل: المحذوف مضاف، أي: كراهةَ أن تضلوا"
والآية من آيات الأحكام في تشريع المواريث. وسياقها مستغن تماماً عن تقدير حرف محذوف لم يجد البيان القرآني حاجة إلى ذكره. إذ لا يخطر على البال، إيهامُ أن يكون المعنى: يبين الله لكم لتضلوا! وإنما يبين الله لنا ما نتقي به الضلال.
ومتى أعطى السياقٌ المعنى المراد مستغنياً عن الحرف الذي قدروه محذوفاً، فذِكْرُ المحذوف الذي لا حاجة إليه، يأباه البيان العالي. إذ لو كان الحذف مما يوقع في شبهة إيهام، لاقتضى المقام وجوب ذكره دفعاً لأي وَهْم. ولعله مراد "ابن جنى" في (باب في أن المحذوف إذ دلت الدلالة عليه كان في حكم الملفوظ به) إذ استهل الباب قبله (في الاستغناء عن الشيء بالشيء) بقول سيبويه: "أعلم أن العرب قد تستغني بالشيء عن الشيء حتى يصير المستغني عنه مُسقَطاَ من كلامهم".
* * *
ونتدبر آية الإفطار والفدية في تشريع أحكام الصيام:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ البقرة ١٨٣، ١٨٤.


الصفحة التالية
Icon