بالتقَوِّى فيه والتصرف فيما لم يعلموا منه، ولم يخوضوا فى التفسير ولم يتعاطوا
التأويل، لكان البلاء واحداً ولكانوا إذا لم يبنوا لم يهدموا وإذا لم يصلحوا لم
يكونوا سببا للفساد. ولكنهم لم يفعلوا، فجلبوا من الداء ما أعيا الطبيب وحير اللبيب، وانتهى التخليط بما أتوه فيه إلى حدٍّ يُئس من تلافيه، فلم يبق
للعارف الذى يكره الشغب إلا التعجب والسكوت. وما الآفة العظمى
إلا واحدة وهى أن يجىء من الإنسان يجرى لفظه ويكثر من غير تحصيل، وأن
يحسن البناء على غير أساس وأن يقول الشىء لم يقتله علماً...
"ثم إنا وإن كنا فى زمان هو ما هو عليه من إحالة الأمور عن جهاتها
وتحويل الأشياء عن حالاتها ونقل النفوس عن طباعها وقلب الخلائق المحمودة
إلى أضدادها، ودهر ليس للفضل وأهله لديه إلا الشر صرفاً والغيظ بحتاً
وإلا ما يدهش معقولهم، حتى صار أعجز الناس رأيا عند الجميع من كانت له
همة أن يستفيد علماً أو يزداد فهما أو يكتسب فضلا...
"فإن الإلْف من طباع الكريم، وإذا كان من حق الصديق عليك ولا سيما
إذا تقادمت صحبته وصحَّت صداقته ألا تجفوه بأن تنكبك الأيام وتضجرك
النوائب وتحرجك محن الزمان فتتناساه جملة وتطويه طيًّا، فالعلم الذى هو
صديق لا يحول عن العهد ولا يدغل فى الود، وصاحب لا يصح عليه النكث
والغدر ولا يُظن به الخيانة والمكر، أولى منه بذلك وأجدر، وحقه عليك
أكبر.. " ٢٧
وظن الجرجاني أنه قطع قول كل دارس وجاء فى بيان فوت نظم القرآن
بما قصر عنه الأوائل والأواخر، وأتى به على وجه يؤخذ باليد ويُتناول من
كتب ويُتصور فى النفس كتصور الأشكال، بين ما ادعيناه من الفصاحة
العجية فى القرآن" ٧٠
وأوجب على كل ذى عقل ودين أن ينظر فى الكتاب الذى وضعه فيه: