البديع وغيره، إنما هو بيان لطائف الإعجاز وإدراك دقائقه واستنهاض عجائبه.
فكيف ساغ لهم تركها وأعرضوا عن ذكرها، وذكروا فى آخر مصنفاتهم ما هو بمعزل عنها،..
"ثم لو عذرنا من كان منهم ليس له حظ فى المباحث الكلامية ولا كانت له
قدم راسخة فى العلوم الإلهية، وهم الأكثر منهم، كالسكاكى وابن الأثير
وماحب التبيان... فما بال من كان له فيها اليد الطولى كالرازى، فإنه
أعرض عن ذلك فى كتابه المصنف فى علم البيان، فلم يتعرض لهذا المباحث
ولا شَم. منها رائحة، ولكنه ذكر فى صدر (كتاب النهاية) كلاما - قليلا فى وجه الإعجاز، لا ينقع من غلة ولا يشفى من علة ".
وقدم ابن حمزة العلوى كتابه الموسوم بالطراز، المتضمن أسرار البلاغة
وحقائق الإعجاز، لينقع الغلة ويشفى العلة.
***
ولكن القرن التالى، لم يجد فى الطراز أكثر مما وجده مصنفه فى تراث
السلف، وألقى البقاعى - برهان الدين بن عمر، ت ٨٨٥ هـ - دلوه فى النبع السخى، فخرج بكتاب سماه (نظم الدرر) وصفه حاجى خليفة فى (كشف الظنون) فقال (إنه كتاب لم يسبقه إليه أحد. جمع فيه من أسرار القرآن ما تتحير فيه العقول، وأتقن فيه المناسبات، وأوضح المعاني المشكلات.
وقال فى بيان فضله:
هل رأيتم يا أولي التفسير مَن... صاغ تفسيرا كنظم الدررِ
دقً معنى جلَّ سبكاً لفظُه... فى وجوه الفكرمثل الغرر
ولم يمهل الزمن البقاعى فى انتظار جواب ما سأل عنه، بل تصدى له من
معاصريه مَن خالفوه وجرحوه، حتى كادت تكون فتنة!