فليس يكتسب اسم الشعر ولا صاحبُه اسم شاعر، لأنه لو صح أن يسمى شعراً كل ما اعترض في كلامه ألفاظ تتزن بوزن الشعر أو تنظيم انتظام بعض الأعاريض كان الناس لهم شعراء؛ ألا ترى أن العامي يقول لصاحبه:
أغلق الباب وائتني بالطعام.
ويقول الرجل لأصحابه: أكرموا من لقيتم من تميم.
ومتى تتبع الإنسان هذا النحو عرف إنه يكثر في تضاعيف الكلام مثله وأكثر منه".
ولخص احتجاجه لنفى الشعر عن القرآن، بأن "من سبيل الموزون من الكلام أن تتساوى أجزاؤه في الطول والقصر والسواكن والحركات، فإن خرج عن ذلك لم يكن موزوناً... "وليس في القرآن على الوزن الذي وصفناه أولاً، وهو الذي شرطنا فيه التعادل والتساوي في الأجزاء، غير الاختلاف الواقع في التقفية. ويبين ذلك أن القرآن خارج عن الوزن الذي بينا، وتتم فائدته بالخروج منه. وأما الكلام الموزون فإن فائدته تتم بوزنه" - ٨٤.
* * *
الباقلانى لم يزد هنا على ما سبقه إليه الجاحظ في رده على من زعم أن في قوله تعالى: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾ شعراًَ، لأنه في تقدير:
* مستفعلن مفاعلن *
قال في (البيان والتبيين) :
"أعلم إنك لو اعترضت أحاديث الناس وخطبهم ورسائلهم لوجدت فيها مثل: * مستفعلن فاعلن * كثيراً وليس أحد في الأرض يجعل ذلك المقدار شعراً. ولو أن رجلاًَ من الباعة صاح: من يشتري باذنجان؟ لقد كان تكلم بكلام في وزن * مستفعلن مفعولان * فكيف يكون هذا شعراً وصاحبه لم يقصد إلى الشعر، ومثل هذا المقدار من الوزن قد يتهيأ في جميع الكلام؟ وإذا جاء المقدار الذي يُعلم إنه من نتاج الشعر والمعرفة بالأوزان والقصد إليها كان


الصفحة التالية
Icon