بل لماذا واللغة لغتهم والبيان طوع ألسنتهم، لا يأتون بحديث مثله كما تحدتهم آية الطور:
﴿أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (٣٠) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (٣١) أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (٣٢) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (٣٣) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ﴾ ٣٠: ٣٤.
وكل هذه الآيات في المعاجزة نزلت قبل الهجرة، من آية الإسراء وترتيبها في النزول الخمسون، إلى آية الطور وهي السورة السادسة والسبعون، على المشهور في ترتيب النزول.
وبعدها، في مستهل العهد المدني نزلت آية البقرة، أولى السور المدنيات، والتحدي فيها بسورة من مثله إنهاء لهذا الجدل الذي طال:
﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٢٣) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ ٢٣، ٢٤.
على هذا النحو حُسِمتْ قضية المعاجزة بالقرآن، وقد نزلت منه في العهد المكي سبع وثمانون سورة، أعيا العرب أن يأتوا بسورة من مثله.
ولا وجه لما تعلق به بعض المتكلمين فيما نقل "القاضي عبد الجبار" عنهم، من أن النبي - ﷺ -: "إنما تحداهم بالقرآن لما قوى أمره وظهر حاله وكثر أصحابه، وعاجلهم بالحرب فمنعهم الخوف من إيراد مثله".
وقد نقضه عليهم القاضي عبد الجبار، بما لا نرى ضرورة لنقله هنا، إذ يغنينا عنه أن آيات التحدي - عدا آية البقرة - نزلت قبل الهجرة التي تحول فيها الرسول - ﷺ - وأصحابه إلى المدينة بعد أن بلغت الجولة


الصفحة التالية
Icon