المكية ذروتها الرهيبة من ضراوة الاضطهاد والأذى والفتنة، دون أن يؤذن للمسلمين في قتال.
وآية البقرة آخر آيات التحدي، نزلت في مستهل العهد المدني، من قبل أن يبدأ الصدام المسلح بين الإسلام وأعدائه من مشركين ومنافقين ويهود...
* * *
فإلى من، اتجه هذا التحدي؟
هذا أوان ما وعدنا به - في الحديث عن المعجزة - من إيضاح لبيان موقف العرب عصرَ المبعث، بين إدراك المعجزة وبين معاجزته من يدعون منهم إنه من قول البشر، فيلزمهم - لتصح دعواهم - أن يأتوا بمثله إن استطاعوا.
وقد سبق القول إن إدراك المعجزة ميسر لكل العرب في عصر المبعث، لا ينفرد به بلغاؤهم دون عامتهم، على ما وَهِم الباقلانى.
وأمَّا المعاجزة، فصريح النص القرآني لآياتها، أن التحدي للإنس والجن جميعاً أن يأتوا بمثله.
لكن الخطاب فيها موجه إلى المشركين العرب الذين جادلوا في المعجزة، والمقام يقتضي أن من يتصدون للتحدي، إن استطاعوا، هم أعلى البلغاء مرتبة وأقدرهم على البيان، إذ تفرض طبيعة الموقف ألا ينتظر من عامة مشركي العرب التعرض لهذا التحدي، وإنما يندب له بطبيعة الحال من يتوهم في طاقته القدرة عليه. وقد أَلِفَ العرب في مواسمهم في أخريات الجاهلية أ، يقوم الشاعر الفحل منهم فيعاجز كل من حضروا الموسم بقصيدة ينشدها، ويتحداهم أن يعارضوها بمثلها. فلا يُفَهمُ أنه يتجه بالتحدي إلى عامة القوم، وإنما يتجه به إلى أقرانه الأكفاء من فحول الشعراء. والأمر في هذا لا يختلف عن عرفهم في المنافرة، وعن تقاليد فرسانهم وأبطالهم في النزال، حين يقف البطل فيتحدى الناس جميعاً فلا يقوم له منهم سوى أقرانه ونظرائه الأكفاء.