على حين أبطل "القاضي عبد الجبار" قول من قال: إن مقتضى تحدي الإنس والجن بالقرآن، ألا نعلم كونه معجزاً إلا بعد أن نعلم تعذر المعارضة على الجن.
أبطله بقوله: "قد بينا أنا نعتبر في كونه القرآن ناقضاً للعادات، العادة المعروفة دون ما لا نعرف من العادات، فإذا لم يكن لنا في العقل طريق إلى معرفة الجن أصلاً لأنهم لا يُشاهَدون ولا تعرف أحوالهم بغير المشاهدة، فقد كفانا في معرفة كون القرآن معجزاً، خروجه عن عادة مَن تعرف عادته. ثم إذا علمنا بذلك صحة نبوته وخبَّرنا - ﷺ - بالجن وأحوالهم، وأنهم كالأنس في تعذر المعارضة عليهم، علمنا أن حالهم كحال العرب، لأن العلم بإعجاز القرآن موقوف على هذا العلم.
"يبين ذلك أنه - ﷺ - لو لم يخبرنا بالجن، كنا لا نعلم إيمانهم أصلاً، وكان لا يقدح ذلك في العلم بأن القرآن معجز. وكذلك القول في فقد المعرفة بحالهم. ولولا الخبر الوارد كنا لا نقول إن المعارضة متعذرة فكان لا يقدح في كون القرآن معجزاً، وكان يحل ذلك محل أن يجعل دلالة نبوته تمكنه من حمل الحبال الراسيات وطمر البحار، في أن ذلك إن تعذر على الإنس فقد صار دالاً على نبوته وإن لم نعلم تعذره على الجن أو الملائكة".
وفهُمُنا لمعاجزة الجن، على ما قدمنا من توابع الشعراء يظاهرونهم ويلهمونهم، يغنينا عن الخوض في مثل هذا الجدل الغريب والتعلق بمعتقدات العرب في الجن ومغامرات شعرائهم مع الغيلان، احتجاجاً لفوت القرآن فصاحةَ الجن!
وقد نرى عجباً من العجب، أن يسوق الباقلانى شعراً لتأبط شراً وذي الرمة وغيرهما، ليحكم به على مستوى كلام الجن والغيلان من جهة الفصاحة!