التخلية والدواعي، فكأنه يتحداهم أن يأتوا بمثله فيمتنع عليهم ذلك لحصول منع فيهم أو لورود بعض الصوارف عليهم مما يختص القلب أو اللسان... فمن أين لكم مع تجويز ما ذكرناه، أنه خارج عن العادة من قدر الفصاحة؟...
"قيل له: 'ن الذي ذكرته، لو صح، لأيد ما قلناه في التحدي. لأنه يؤذِن بأنه يصح من وجوه سوى الذي ادعيناه - في خروجه عن العادة في الفصاحة - وإنما يصح هذا السؤال بين من يعترف بإعجاز القرآن إذا اختلفوا في الوجه الذي صار به معجزاً. وغرضنا في هذا الباب الكلام على المخالفين الذين يظنون أن التحدي لا يصح به، على وجه، لكنا مع ذلك نبين فساد ما أوردتَه. وقد علمنا أن المنع من الكلام لا يكون إلا بما يجرى مجرى المنافي له... وإنما يقع المنع بأمر يختص محله وآلته، ولا يكون ذلك بما يضاد القدرة أو يغير حال الآلة والبنية. وما هذا حاله، يؤثر في صحة الكلام أصلاً، وقد علمنا أن من كان في زمانه - ﷺ - من الفصحاء، لم يعتذر عليهم الكلام، فلا يصح أن يقال إنهم اختصوا بمنع، وبانَ هو - عليه الصلاة والسلام - منهم بالتخلية.
"فإن قال: امتنع عليهم ذلك بأن أعدمهم الله تعالى العلوم التي معها يكون الكلام الفصيح فصار ذلك ممتنعاً عليهم لفقد العلم؛
"قيل له" لست تخلو فيما ذهبت إليه من وجهين:
إما أن نقول: قد كان ذلك القدر من العلم حاصلاً من قبل معتاداً، فمنعوا منه عند ظهور القرآن، أو تقول: إن المنع من ذلك مستمر غير متجدد، وأنهم لم يختصوا، ولا من تقدمهم، بهذا القدر من العلم.
فإن أردت الوجه الأول فقد كان يجب أن يكون قدر القرآن في الفصاحة قدَر ما جرت به العادة من قبل، وإنما منعوا من مثله في المستقبل. لو كان كذلك لم يكن المعجز هو القرآن، لكونه مساوياً لكلامهم ولتمكنهم - قبلُ - كم فعل مثله في قدر الفصاحة، وإنما يكون المعجز ما حدث منهم من المنع،