فكان التحدي يجب أن يقع بذلك المنع لا بالقرآن. حتى لو لم ينزل الله تعالى القرآن ولم يظهر أصلاً، وجعل دليل نبوته امتناع الكلام عليهم على الوجه الذي اعتادوه، لكان وجه الإعجاز يختلف. وهذا مما نعلم بطلانه باضطرار، لأنه عليه الصلاة والسلام تحدى بالقرآن وجعله العمدة في هذا الباب. على أن ذلك، لو صح، لم يقدح في صحة نبوته، لأنه كان يكون بمنزلة أن يقول - ﷺ -: دلالة نبوتي أني أريد المشي في جهة فيتأتى لي على العادة، وتريدون المشي فيتعذر عليكم.. فإذا وُجد الأمر كذلك دل على نبوته، لكون هذا المنع على هذا الوجه ناقضاً للعادة.
وإن أراد الوجه التالي مما قدمناه - أي أن المنع مستمر - فهو الذي يعُول عليه. أنا نعلم أن للقرآن المزية في الفصاحة من حيث يحتاج إلى قدر من العلم لم تجر العادة بمثله أن يفعله تعالى فيهم...
"فأما إدعاء السائل أنه - ﷺ - توافرت دواعيه وأتى بمثل القرآن، وانصرفت دواعيهم عن فعل مثله فلذلك لم يأتوا به، وأن وجه التحدي في ذلك وقوع الصرف فيهم عن مثله، فبعيد. لأنا نعلم باضطرار توافر دواعيهم إلى إبطال أمره والقدح في حاله، حتى لم يبق وجه في الدواعي إلا توافر فيهم، فكيف يصح مع ذلك إدعاء ما ذكرت؟
"فإن قلت: إن دواعيهم وإن توافرت فإنه تعالى صرفهم عن ذلك بجنس من الدواعي، فهذا يوجب إثبات ما لا يعقل من الدواعي. وإن قلت: إنه تعالى صرفهم بمنع، فهو الذي بَيَّنا فساده من قبل. وهذا الجملة تبطل قول من يتعلق في إعجاز القرآن بذكر الصرفة، لأنها إذا كُشفت فلابد من أن يراد بها بعض ما بينا فساده. ولا معتبر بالعبارات في هذا الباب وإنما المعتبر بالمعاني".
إلى هذا المدى، يمضي عبد الجبار المعتزلى في الرد على من يتعلق في إعجاز القرآن بالصرفة، وبيان وجه فساده إن اعتبر فيها بالألفاظ الموهمة احتمالَ