*وقال قوم إن إعجاز القرآن بقيَمه ومثُله وأحكام، ووجههُ استحالةُ أن يأتي مثلها من بشر أمي في قوم أميين، في زمان ومكان هيهات أن يشارفا ذلك الأفق القرآني العالي.
وهؤلاء أيضاً لم يكونوا بحيث يفوتهم أن البيان القرآني - أو النظم كما سماه بعضهم - هو الذي فرض إعجازه على العرب من مستهل الوحي، وأن قضية التحدي واجهت المشركين في العهد المكي وحُسمت بآية البقرة أولى السور المدنيات، قبل أن يتم التشريع والأحكام بتمام الوحي في آخر العهد المدني.
وهو وإن لم ينصوا على التفاتهم إلى هذا الملحظ، فقد عبر عنه مسلكهم حين أكتفوا بأن عَدُّوا القيم والأحكام بين وجوه الإعجاز، ثم تفرغوا للنظر في الإعجاز البلاغي للقرآن.
بل إنهم لم يستطيعوا فصل الأحكام والقيم والمثل القرآنية، عن النظم البليغ المعجز الذي نزلتْ به. فالخطابي يقول شرحاً لهذا الوجه من الإعجاز:
"وأعلم أن القرآن إنما صار معجزاً لأنه جاء بأفصح الألفاظ في أحسن نظوم التأليف مضمناً أحسن المعاني: من توحيد له عزت قدرته، وتنزيه له في صفاته، ودعاء إلى طاعته، وبيان بمنهاج عبادته: من تحليل وتحريم وحظر وإباحة، ومن وعظ وتقويم وأكر بمعروف ونهي عن منكر وإرشاد إلى محاسن الأخلاق وزجر عن مساوئها. واضعاً كل شيء منها موضعه الذي لا يُرَى شيء أولى منه...
"ومعلوم أن الإتيان بمثل هذه الأمور والجمع بين شتاتها حتى تنتظم وتتسق، أمر تعجز عنه قوى البشر ولا تبلغه قُدَرُهم، فانقطع الخلق دونه... ".
و"الباقلانى" كتب بعض فقرة في "إعجاز المعاني التي تضمنها، في أصل وضع الشريعة والأحكام، والاحتجاجات في أصل الدين والرد على الملحدين" ثم اتجه بكل هذا إلى أن المعاني والأحكام "جاءت على تلك الألفاظ البديعة وموافقة بعضها بعضاً في اللطف والبراعة مما يتعذر على البشر ويمتنع. وذلك أنه قد علم أن تخير