وقد وقفتُ على ما ورد من ذلك نظماً ونثراَ ممّا يدل على كثرة العطف
على الضمير المخفوض من غير إعادة الخافض.
وإن كان بعض البصريين قد ذهبوا إلى منع ذلك، فليست القراءةُ متوقفةَ على مذهب البصريّين ولا الكوفيّين، بل إذا صحّت القراءةُ وتواترت فهي أكبرُ حجّةٍ على صحة الحكم، وكم من حكيم ثبتَ بقول الكوفيين لم يُثْبِتْه البصريون، وكم من حكيم ثبتَ بقول البصريّين لم يُثْبِتْه الكوفيّون، فلسنا مُلْتَزِمين قولَ أحدِ الطائفتين، بل أيُّهم أثبتَ حكماً بنقل صحيح عن العرب أخَذْنا به، لأنّ كلتا الطائفتين أثبات ثِقات فيما نقلوا، وقد ردَّت النحاةُ المعتزلةُ هذه القراءةَ جرياَ على عادتهم في ذلك، ولا يُلْتَفَتُ إليهم؛ لأنهم يصحَحون القراءة بنحوهم، والأمر بالعكس، وكان حقَّهم أن يُصَحِّحوا نحوَهم بالقراءة المتواترة.
وأعجبُ شيءٍ فيهم أنّهم إذا سمعوا بيتَ شعر لا يعرفون قائلَه قد خرجَ عن قواعد العربية التمسوا له أحسنَ المخارج، واعتذروا عنه بأشدّ العُذر.
وإذا رأَوا قراءةً منقولةً من طريق صحيح قد اعتنى بها الأئمّةُ.
إلاّ أنها قليلةُ النظير، رَمَوها عن قوس واحد، وطعنوا فيها، وكان حقَّهم أن
يقبلوها ويُبَينوا مخرجَها كما يصنعه أهلُ السُّنَّة من أهل الصَّنعة.
والعجبُ أيضاً من ابن عطيّةَ على طهارة لسانه وعُلُوِّ منصبه، كيف مال إلى ردّ هذه القراءة ولكن الجوادَ قد يكبو، والصارمَ قد ينبو، والله أسأل أن يَعْصِمَنا من الزَّلَل في القول والعمل.
وأما قراءة الرفع فقرأ بها عبد الله بن يزيد، ووجهها أنّه مبتدأ،