على أن المجرور لعامل آخر خلاف المصدر.
وقراءة الرفع أبلغ من قراءة النصب، ولهذا أجمعَ السبعةُ عليها؛ لأنّ
قراءة الرفع تُؤذن باستغراق الحمد، وقراءة النصب تُؤذن بحمد مخصوص.
أعني حمد المتكلّم، ولأنّ قراءة الرفع تؤذن بالثبات والاستقرار، وقراءة
النصب تؤذن بالتجدّد، ألا ترى قوله تعالى (قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ)
، فعبّر عن تحيّة إبراهيم عليه السلام بالرفع تنبيهاً على أنّ تحيّتَه خير
من تحيّتهم لما في الرفع من الثبوت والاستقرار.
وأما قراءة الخفض فقرأ بها الحسن، وزيد بن علي، ووجهها أنّهم
كرهوا الخروج من رفع إلى كسر، فكسروا الدال إتباعاً لكسرة اللام، كما
قالوا: مِنْتِن بكسر الميم إتباعاً لكسرة التاء، والأصل فيها الضمّ، وقالوا:
المِغِيرة بكسر الميم إتباعاً لكسرة الغين، والأصل الضمّ.
وفي هذه القراءة ضعف؛ لأن فيها إتباع حركة الإعراب لحركة
البناء، والإتباع - وإن كان شاذّاً - فهو باب مُتَّسع، ولا تنافي بين
شذوذه واتّساع بابه، فلذلك يكون في كلمة واحدة كما تقدّم، ويكون في
كلمتين: نحو قولهم: قَدُمَ وحَدُثَ، بضمّ الدال من حدث، والأصل فيه
فتحها، فإذا استعمل وحده فُتحت الدال، وإذا استعمل مع قدم ضمّت