قوله: (اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ).
الميمان فيه بدل من ياء النداء، ولا يجوز الجمع بينهما إلا شاذا.
الغريب: قول الفراء: أصله، يا ألله اُمّنا بخير، فكثر في الكلام.
فحذفت الهمزة، وألقيت حركتها على ما قبلها (١).
(مَالِكَ)
نصب على النداء، قال الزجاج: نصب على صفة (اللَّهُمَّ).
الغريب: قال أبو رجاء العطاردي: هذه الميم التي في قوله:
(اللَّهُمَّ) تجمع سبعين اسماً من أسمائه.
ومن الغريب: قال الله تعالى في بعض كتبه: أنا الله مالك الملوك.
قلوب الملوك بيدي ونواصيهم، فإن العباد إذا أطاعوني جعلتهم عليهم
رحمة، وإن العباد إذا عصوني جعلتهم عليهم عقوبة فلا تشتغلوا بسِّب
الملوك، ولكن توبوا إليَّ أعطفهم عليكم.
قوله: (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ)
أن تؤتيه الملك، وكذلك ما بعده.
قوله: (بِيَدِكَ الْخَيْرُ) أي خير الدنيا وخير الآخرة، وخص الخير
بالذكر، لأن رغبة العبد إلى الله أن يفعل الخير به.
وقيل: أراد الخير والشر، فاكتفى بذكر أحد الضدين.
الغريب: ذكر الخير صريحاً وذكر الشر تضمينا في قوله: (إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

(١) قال السمين:
قوله تعالى: ﴿اللهم﴾ :
اختلف البصريون والكوفيون في هذه اللفظة الكريمة. فقال البصريون: الأصلُ يا الله، فحُذِفَ حرفُ النداء، وعُوِّضَ عنه هذه الميمُ المشددة. وهذا خاصٌّ بهذا الاسمِ الشريف فلا يجوزُ تعويضُ الميمِ من حرفِ النداء في غيره، واستدلُّوا على أنَّها عوضٌ من «يا» أنهم لم يَجْمَعوا بينهما فلا يُقال: يا اللهمَّ إلاَّ في ضرورةٍ كقوله:
وما عليكِ أَنْ تقولي كلما... سَبَّحْتِ أو هَلَّلْتِ يا اللهم ما
أرْدُدْ علينَا شَيْخَنا مُسَلَّما...
وقال الكوفيون: الميمُ المشددةُ بقية فعلٍ محذوفٍ تقديرُه: «أُمَّنا بخير» أي: اقصُدْنا به، مِنْ قولك: «أمَّمْتُ زيداً» أي قصدتُه، ومنه: ﴿ولا آمِّينَ البيت الحرام﴾ [المائدة: ٢] أي: قاصِديه، وعلى هذا فالجمعُ بينَ «يا» والميمِ ليس بضرورةٍ عندهم، إذ ليسَتْ عوضاً منها. وقد رَدَّ عليهم البصريون هذا بأنه قد سُمع «اللهم أُمَّنَا بخير» وقال تعالى: ﴿اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ﴾ [الأنفال: ٣٢] فقد صَرَّح بالمدعوِّ به، فلو كانَتِ الميمُ بقيةَ «أمَّنا» لفسد المعنى فبان بطلانُه. وهذا من الأسماء التي لَزِمَت النداءَ فلا يجوزُ أَنْ يقعَ في غيرِه، وقد وَقَع في ضرورةِ الشعرِ كونُه فاعِلاً. أنشد الفراء:
كحَلْفَةٍ من أبي دِثار... يَسْمَعُها اللهُمَ الكُبارُ
فاستعملَه هنا فاعلاً بقوله: «يَسْمَعُها» ولا يجوزُ تخفيفُ ميمِه، وجَوَّزه الفراء وأنشد البيت: «يَسْمَعُها اللَهُمَ/ الكُبار» بتخفيفِ الميم؛ إذ لا يمكنُه استقامةُ الوزن إلاَّ بذلك. قال بعضُهم: «هذا خطأٌ فاحِشٌ، وذلك لأنَّ الميمَ بقيةُ» أُمَّنا «وهو رأيُ الفراء، فكيف يُجَوِّزُ الفراء؟ وأجاب عن البيت بأنَّ الروايةَ ليسَتْ كذلك، بل الروايةُ: يَسْمَعُها لاهُه الكُبارُ. قلت: وهذا [لا يُعارِضُ الروايةً الأخرى، فإنه كما صَحَّتْ هذه صَحَّتْ] تَيْكَ. وردَّ الزجاج مذهبَ الفراء بأنه لو كان الأصل:» يا لله أُمَّنا «لَلُفِظَ به مَنْبَهَةً على الأصل كما قالوا في: وَيْلُمِّه: ويلٌ لأُمِه.
ومن أحكام هذه اللفظةِ أيضاً أنها كَثُرَ دَوْرُها حتى حُذِفَتْ منها الألف واللامُ في قولِهم:»
لاهُمَّ «أي: اللهم، وقال الشاعر:
لا هُمَّ إنَّ عامرَ بنَ جَهْمِ... أَحْرَم حَجَّاً في ثيابٍ دُسْمِ
وقال آخر:
لا هُمَّ إنَّ جُرْهُما عِبادُكا... الناسُ طَرْفٌ وهمُ بِلادُكا
وفي هذه الكلمةِ أبحاثُ كثيرةٌ موضِعُها غيرُ هذا.
اهـ (الدر المصون).


الصفحة التالية
Icon