غُلَام قد وَلدته وَإِذا بِالْمَلَائِكَةِ قد أَحدقُوا بهَا وبابنها وبالنخلة فَقَالَ: هَهُنَا حدث الْأَمر فَمَال إِلَيْهِم فَقَالَ: أَي شَيْء هَذَا الَّذِي حدث فكلمته الْمَلَائِكَة فَقَالُوا: نَبِي ولد بِغَيْر ذكر
قَالَ: أما وَالله لأضِلَّنَ بِهِ أَكثر الْعَالمين
أضلّ الْيَهُود فَكَفرُوا بِهِ وأضل النَّصَارَى فَقَالُوا: هُوَ ابْن الله
قَالَ: وناداها ملك من تحتهَا ﴿قد جعل رَبك تَحْتك سَرياًّ﴾ قَالَ إِبْلِيس: مَا حملت أُنْثَى إِلَّا بعلمي وَلَا وَضعته إِلَّا على كفي لَيْسَ هَذَا الْغُلَام لم أعلم بِهِ حِين حَملته أمه وَلم أعلم بِهِ حِين وَضعته
وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق السّديّ عَن أبي مَالك عَن ابْن عَبَّاس وَعَن مرّة بن مَسْعُود - رَضِي الله عَنْهُمَا - قَالَا: خرجت مَرْيَم إِلَى جَانب الْمِحْرَاب لحيض أَصَابَهَا فَلَمَّا طهرت إِذْ هِيَ بِرَجُل مَعهَا ﴿فتمثل لَهَا بشرا﴾ فَفَزِعت وَقَالَ: ﴿إِنِّي أعوذ بالرحمن مِنْك إِن كنت تقياً﴾ فَخرجت وَعَلَيْهَا جلبابها فَأخذ بكمها فَنفخ فِي جيب درعها - وَكَانَ مشقوقاً من قدامها - فَدخلت النفخة صدرها فَحملت فأتتها أُخْتهَا امْرَأَة لَيْلَة تزورها فَلَمَّا فتحت لَهَا الْبَاب التزمتها فَقَالَت امْرَأَة زَكَرِيَّا: يَا مَرْيَم أشعرت أَنِّي حُبْلَى
قَالَت مَرْيَم: أشعرت أَيْضا أَنِّي حُبْلَى فَقَالَت امْرَأَة زَكَرِيَّا: فَإِنِّي وجدت مَا فِي بَطْني يسْجد للَّذي فِي بَطْنك
فَذَاك قَوْله: ﴿مُصدقا بِكَلِمَة من الله﴾ فَولدت امْرَأَة زَكَرِيَّا يحيى
وَلما بلغ أَن تضع مَرْيَم خرجت إِلَى جَانب الْمِحْرَاب ﴿فأجاءها الْمَخَاض إِلَى جذع النَّخْلَة قَالَت يَا لَيْتَني مت قبل هَذَا﴾ الْآيَة ﴿فناداها﴾ جِبْرِيل ﴿من تحتهَا ألاَّ تحزني﴾ فَلَمَّا وَلدته ذهب الشَّيْطَان فَأخْبر بني إِسْرَائِيل: إِن مَرْيَم ولدت فَلَمَّا أرادوها على الْكَلَام أشارت إِلَى عِيسَى فَتكلم فَقَالَ: ﴿إِنِّي عبد الله آتَانِي الْكتاب﴾ الْآيَات
فَلَمَّا ولد لم يبْق فِي الأَرْض صنم إِلَّا خرَّ لوجهه
وَأخرج اسحق بن بشر وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق جُوَيْبِر عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله: ﴿وَاذْكُر فِي الْكتاب مَرْيَم﴾ يَقُول: قصّ ذكرهَا على الْيَهُود وَالنَّصَارَى ومشركي الْعَرَب ﴿إِذْ انتبذت﴾ يَعْنِي خرجت ﴿من أَهلهَا مَكَانا شرقياً﴾ قَالَ: كَانَت خرجت من بَيت الْمُقَدّس مِمَّا يَلِي الْمشرق ﴿فاتخذت من دونهم حِجَابا﴾ وَذَلِكَ أَن الله لما أَرَادَ أَن يبتدئها بالكرامة