كَمَا حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَذَكَرَ الْكَبَائِرَ، قَالَ: " وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ قَالَ ﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ﴾ [الأنفال: ١٦] قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا أَوْلَى مَا قِيلَ فِي الْآيَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَنْسُوخَةً لِأَنَّهُ خَبَرٌ وَوَعِيدٌ وَلَا يُنْسَخُ الْوَعِيدُ كَمَا لَا يُنْسَخُ الْوَعْدُ فَإِنْ قِيلَ فَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مُتَّصِلُ الْإِسْنَادِ وَقَدْ خَبَّرَ بِنُزُولِ الْآيَةِ فِي أَهْلِ بَدْرٍ؟ فَكَيْفَ يَجُوزُ خِلَافُهُ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَعَمْرِي لَا يَجُوزُ خِلَافُهُ فِي مِثْلِ هَذَا وَالْقَوْلُ كَمَا قَالَ نَزَلَتْ فِي أَهْلِ بَدْرٍ وَحُكْمُهَا بَاقٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَأَهْلُ بَدْرٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِئَتَهُمْ فَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَنْحَازُوا إِلَيْهِ وَكَذَا كُلُّ إِمَامٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ حُكْمَهَا بَاقٍ
مَا حَدَّثَنَاهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ -[٤٦٢]-، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: " كُنْتُ فِي غَزْوَةِ مَسَالِحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَقِيَنَا الْعَدُوُّ فَحَاصَ النَّاسُ حَيْصَةً، وَيُقَالُ جَاضَ النَّاسُ جَيْضَةً فَكُنْتُ فِيمَنْ حَاصَ فَرَجَعْنَا إِلَى أَنْفُسِنَا فَقُلْنَا كَيْفَ يَرَانَا الْمُسْلِمُونَ وَقَدْ بُؤْنَا بِالْغَضَبِ ثُمَّ قَرَأَ ﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ﴾ [الأنفال: ١٦]، فَقُلْنَا نَأْتِي الْمَدِينَةَ فَنَبِيتُ بِهَا ثُمَّ نَخْرُجُ فَلَا يَرَانَا أَحَدٌ فَلَمَّا أَتَيْنَا الْمَدِينَةَ قُلْنَا لَوْ عَرَضْنَا أَنْفُسَنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَصَدَنَاهُ حِينَ خَرَجَ إِلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَحْنُ الْفَرَّارُونَ قَالَ: لَا بَلُ أَنْتُمُ الْعَكَّارُونَ قُلْنَا: إِنَّا قَدْ هَمَمْنَا بِكَذَا وَكَذَا قَالَ: لَا أَنَا فِئَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ ﴿وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ﴾ [الأنفال: ١٦] " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ مَعْنَى الْآيَةِ لِمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ -[٤٦٣]- الْعِلْمِ وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يَقْبَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَرْبِ إِلَّا بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ حُكْمَ الْآيَةِ بَاقٍ وَتَبَيَّنَ أَنَّ لِمَنْ حَارَبَ الْعَدُوَّ إِذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَنْحَازَ إِلَى فِئَةٍ يَتَقَوَّى بِهَا وَالْعَكَّارُونَ الْكَرَّارُونَ الرَّاجِعُونَ يُقَالُ عَكَرَ وَعَكَّرَ وَاعْتَكَرَ إِذَا كَرَّ وَرَجَعَ فَلَمَّا رَجَعَ ابْنُ عُمَرَ وَمَنْ مَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَابِلِينَ مِنْهُ كَانُوا هُمُ الْعَكَّارِينَ الرَّاجِعِينَ إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ بَذْلِ أَنْفُسِهِمْ إِلَى الْجِهَادِ وَالْقَبُولِ مِنَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ، وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي الْآيَةِ الثَّالِثَةِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا لِأَنَّهَا مُشْكِلَةٌ


الصفحة التالية
Icon