بَابُ ذِكْرِ الْآيَةِ الثَّامِنَةِ قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ: ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ [التوبة: ٨٠] مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا﴾ [التوبة: ٨٤] الْآيَةَ
وَفِي رِوَايَةِ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ [التوبة: ٨٠] فَقَالَ: " لَأَزِيدَنَّ عَلَى السَّبْعِينَ فَنَسَخَتْهَا: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [المنافقون: ٦] " فَهَذَا قَوْلٌ. وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ: لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ وَإِنَّمَا هَذَا عَلَى التَّهْدِيدِ لَهُمْ أَيْ لَوِ اسْتَغْفَرَ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا غُفِرَ لَكُمْ فَقَالَ قَائِلٌ: هَذَا الْقَوْلُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُنَافِقٍ لِأَنَّ الْمُنَافِقَ كَافِرٌ بِنَصِّ كِتَابِ اللَّهِ قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ﴾ [المنافقون: ١] إِلَى قَوْلِهِ ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا "﴾ [المنافقون: ٣]، وَقَالَ مَنِ احْتَجَّ بِأَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ الْآثَارُ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ
كَمَا رَوَى الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا﴾ [التوبة: ٨٤] قَالَ: " لَمَّا مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولٍ أَتَى ابْنُهُ وَقَوْمُهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمُوهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ وَيَقُومَ عَلَى قَبْرِهِ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّي عَلَيْهِ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقُمْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَازَةِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تُصَلِّي عَلَيْهِ وَهُوَ الْفَاعِلُ كَذَا وَكَذَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا وَهُوَ الرَّاجِعُ بِثُلُثِ النَّاسِ -[٥٢٤]- يَوْمَ أُحُدٍ وَهُوَ الْقَائِلُ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا؟ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " أَخِّرْ عَنِّي يَا عُمَرُ وَجَعَلَ عُمَرُ يُرَدِّدُ قَوْلَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَخِّرْ عَنِّي يَا عُمَرُ فَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي لَوِ اسْتَغْفَرْتُ لَهُمْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً غُفِرَ لَهُمْ لَاسْتَغْفَرْتُ لَهُمْ» فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَقَفَ عَلَى قَبْرِهِ حَتَّى دُفِنَ فَمَا لَبِثْنَا إِلَّا لَيَالِيَ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمُ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ [التوبة: ٨٥] قَالَ فَكَانَ عُمَرُ يَعْجَبُ مِنْ جُرْأَتِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي ذَلِكَ مِنَ الْقُرْآنِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَقَالُوا فِي هَذَا الْحَدِيثَ إِنَّهُ صَلَّى عَلَيْهِ بَعْدَ كَلَامِ عُمَرَ إِيَّاهُ وَإِنْ كَانَ كَلَامُ عُمَرَ قَدْ أُحْمِدَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَعَثَ اللَّهُ قَطُّ نَبِيًّا إِلَّا وَفِي أُمَّتِهِ مُحَدَّثٌ فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي فَهوُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ»، فَقِيلَ مَعْنَى مُحَدَّثٍ يُنْطَقُ عَلَى لِسَانِهِ بِالْحَقِّ