رَوَى عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ» فَقَدْ بَيَّنَ هَذَا الْحَدِيثُ ذلِكَ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ يُخْرِجُ عَنْهُ الْحَرُّ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ عَلَى بِمَعْنَى عَنْ وَذَلِكِ مَعْرُوفٌ فِي اللُّغَةِ وَمَوْجُودٌ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى﴾ [النجم: ١٢] لَا نَعْلَمُ اخْتِلَافًا أَنَّ مَعْنَاهُ: عَمَّا يَرَى وَأَنْشَدَ النَّحْوِيُّونَ
[البحر الوافر]

إِذَا رَضِيَتْ عَلَيَّ بَنُو قُشَيْرٍ لَعَمْرُ أَبِيكَ أَعْجَبَنِي رِضَاهَا
-[٧٦٤]-
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ: «أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ فُرِضَتْ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي نَسَخَهَا» قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَلَمَّا ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ وَبِالْأَسَانِيدِ الصِّحَاحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّىَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجُزْ أَنْ تُزَالَ إِلَّا بِإِجْمَاعٍ أَوْ حَدِيثٍ يُزِيلُهَا وَيُبَيِّنُ نَسْخَهَا، وَلَمْ يَأْتِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ وَصَحَّ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إِيجَابُهَا، وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ مَا يُخْرِجُ مِنْهَا مِنَ الْبُرِّ وَالزَّبِيبِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مِنَ الشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ إِلَّا صَاعٌ فَمِمَّنْ قَالَ: لَا يُجْزِئُ مِنَ الْبُرِّ إِلَّا صَاعٌ الْحَسَنُ، ومَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وأَحْمَدُ، وَيُرْوَى هَذَا الْقَوْلُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ الْعَبَّاسِ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُمَا وَمِمَّنْ قَالَ: يُجْزِئُ نِصْفُ صَاعٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وعُثْمَانُ، وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَأَسْمَاءُ، وجَابِرٌ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، ومُعَاوِيَةُ، فَهَؤُلَاءِ ثَمَانِيَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمِنَ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وعُرْوَةُ، وَأَبُو سَلَمَةَ -[٧٦٥]-، وعَطَاءٌ، وطَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَأَبُو قِلَابَةَ، وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ، ومُصْعَبُ بْنُ سَعْدٍ، فَهَؤُلَاءِ أَحَدَ عَشَرَ مِنَ التَّابِعِينَ، وَمِمَّنْ دُونَهُمُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَالْحُجَّةُ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فَرَضَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَكَانَ ذَلِكَ قُوتَهُمْ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ قُوتٍ كَذَلِكَ وَالْحُجَّةُ لِلْقَوْلِ الثَّانِي: أَنَّ الصَّحَابَةَ هُمُ الَّذِينَ قَدَّرُوا نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ، وَهُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُمْ إِلَّا إِلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ، فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ خَالَفَهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَالْجَوَابُ أَنَّهُ قَدِ اخْتُلِفَ عَنْهُمَا وَلَيْسَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ أَوْلَى مِنَ الْآخَرِ إِلَّا بِالِاحْتِجَاجِ بِغَيْرِهِمَا


الصفحة التالية
Icon