وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ الْآيَةَ.
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الِابْنَ مِنْ أَهْلِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَدْ ذَكَرَ تَعَالَى مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ [١١ ٤٦].
وَالْجَوَابُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ أَيِ الْمَوْعُودِ بِنَجَاتِهِمْ فِي قَوْلِهِ: إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ [٢٩ ٣٣]، لِأَنَّهُ كَافِرٌ لَا مُؤْمِنٌ.
وَقَوْلُ نُوحٍ: إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي يَظُنُّهُ مُسْلِمًا مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْلِمِينَ النَّاجِينَ كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [١١ ٤٦]، وَقَدْ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ ابْنُهُ حَيْثُ قَالَ: وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ [١١ ٤٢]، إِلَّا أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بِأَنَّ هَذَا الِابْنَ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ لِكُفْرِهِ، فَلَيْسَ مِنَ الْأَهْلِ الْمَوْعُودِ بِنَجَاتِهِمْ وَإِنْ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَهْلِ نَسَبًا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ.
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ إِبْرَاهِيمَ رَدَّ السَّلَامِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ، وَقَدْ جَاءَ فِي سُورَةِ " الْحِجْرِ " مَا يُوهِمُ أَنَّهُمْ لَمَّا سَلَّمُوا عَلَيْهِ أَجَابَهُمْ بِأَنَّهُ وَجِلٌ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ رَدِّ السَّلَامِ وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ [١٥ ٥٢].
وَالْجَوَابُ ظَاهِرٌ وَهُوَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ أَجَابَهُمْ بِكِلَا الْأَمْرَيْنِ: رَدِّ السَّلَامِ، وَالْإِخْبَارِ بِوَجَلِهِ مِنْهُمْ، فَذُكِرَ أَحَدُهُمَا فِي " هُودٍ " وَالْآخَرُ فِي " الْحِجْرِ "، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ ذِكْرُهُ تَعَالَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِمَا مَعًا فِي سُورَةِ " الذَّارِيَاتِ " فِي قَوْلِهِ: فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ [٥١ ٢٥]، لِأَنَّ قَوْلَهُ: مُنْكَرُونَ يَدُلُّ عَلَى وَجَلِهِ مِنْهُمْ، وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً [٥١ ٢٨]، فِي " هُودٍ " وَ " الذَّارِيَاتِ "، مَعَ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا قَالَ: " " سَلَامٌ ".