لَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا [٢٥ ٥١]، لِأَنَّ الْمَعْنَى أَرْسَلْنَا إِلَى جَمِيعِ الْقُرَى، بَلْ إِلَى الْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ رَسُولًا وَاحِدًا، هُوَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَعَ أَنَّا لَوْ شِئْنَا أَرْسَلْنَا إِلَى كُلِّ قَرْيَةٍ بِانْفِرَادِهَا رَسُولًا، وَلَكِنْ لَمْ نَفْعَلْ ذَلِكَ لِيَكُونَ الْإِرْسَالُ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ فِيهِ الْإِظْهَارُ لِفَضْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الرُّسُلِ، بِإِعْطَائِهِ مَا لَمْ يُعْطَهُ أَحَدٌ قَبْلَهُ مِنَ الرُّسُلِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّ عُمُومَ رِسَالَتِهِ إِلَى الْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ، مِمَّا خَصَّهُ اللَّهُ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الرُّسُلِ.
وَأَقْرَبُ الْأَوْجُهِ الْمَذْكُورَةِ عِنْدَنَا، هُوَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ وَهُوَ الْوَجْهُ الرَّابِعُ، وَهُوَ أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ: وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ، أَيْ لِكُلِّ أُمَّةِ نَبِيٌّ، فَلَسْتَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ.
وَوَجْهُ دَلَالَةِ الْقُرْآنِ عَلَى هَذَا كَثْرَةُ إِتْيَانِ مِثْلِهِ فِي الْآيَاتِ، كَقَوْلِهِ: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [١٦ ٣٦]، وَقَوْلِهِ: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ وَقَوْلِهِ: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ وَعَلَيْهِ فَالْحِكْمَةُ فِي الْإِخْبَارِ بِأَنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ نَبِيًّا أَنَّ الْمُشْرِكِينَ عَجِبُوا مِنْ إِرْسَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ، كَمَا بَيَّنَهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ [١٠ ٢]، وَقَوْلِهِ: بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ [٥٠ ٢]، وَقَوْلِهِ: وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ إِنْذَارَهُ لَهُمْ لَيْسَ بِعَجَبٍ وَلَا غَرِيبٍ لِأَنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ مُنْذِرًا، فَالْآيَةُ كَقَوْلِهِ: قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ [٤٦ ٩]، وَقَوْلِهِ: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ [٤ ١٦٣]، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ الْآيَةَ.