وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَقَرِينَةُ الِاسْتِفْهَامِ الْمَحْذُوفِ عُلُوُّ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ ظَنِّ رُبُوبِيَّةِ غَيْرِ اللَّهِ وَشَهَادَةُ الْقُرْآنِ لَهُ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ ذَلِكَ، وَالْآيَةُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ تُشْبِهُ قِرَاءَةَ ابْنِ مُحَيْصِنٍ: (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَنْذَرْتَهُمْ) [٢ ٦] وَنَظِيرُهَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ [٢١] يَعْنِي أَفْهُمُ الْخَالِدُونَ؟.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا [٢٦ ٢٢]، عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَقَوْلُهُ: فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ [٩٠ ١١]، عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ.
وَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ غَيْرَ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فَهُوَ رَاجِعٌ إِلَيْهِمَا كَالْقَوْلِ بِإِضْمَارِ الْقَوْلِ، أَيْ يَقُولُ الْكُفَّارُ هَذَا رَبِّي، فَإِنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ.
وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَنَقَلَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ نَاظِرًا يَظُنُّ رُبُوبِيَّةَ الْكَوْكَبِ فَهُوَ ظَاهِرُ الضَّعْفِ، لِأَنَّ نُصُوصَ الْقُرْآنِ تَرُدُّهُ كَقَوْلِهِ: وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [٣ ٦٧]. وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [١٦ ١٢٣]، وَقَوْلِهِ: وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ [٢١ ٥١].
وَقَدْ بَيَّنَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ رَدَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ بِهَذِهِ النُّصُوصِ الْقُرْآنِيَّةِ وَأَمْثَالِهَا، وَالْأَحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَى مُقْتَضَاهَا كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ» الْحَدِيثَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ.
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرْتَدِّينَ بَعْدَ إِيمَانِهِمُ الْمُزْدَادِينَ كُفْرًا لَا يَقْبَلُ اللَّهُ تَوْبَتَهُمْ إِذَا تَابُوا لِأَنَّهُ عَبَّرَ بِلَنِ الدَّالَّةِ عَلَى نَفْيِ الْفِعْلِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَعَ أَنَّهُ جَاءَتْ آيَاتٌ أُخَرُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ كُلِّ تَائِبٍ قَبْلَ حُضُورِ الْمَوْتِ وَقَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [٨ ٣٨]، وَقَوْلِهِ: وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ [٤٢ ٢٥]، وَقَوْلِهِ: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ