فلما شهدت عليهم الجوارح.
﴿ وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ ﴾، قالت الألسن للجوارح: ﴿ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا ﴾، يعني الجوارح، قالوا: أبعدكم الله، إنما كنا نجاحش عنكم، فلم شهدتم علينا بالشرك، ولم تكونوا تتكلمون في الدنيا.
﴿ قَالُوۤاْ ﴾، قالت الجوارح للألسن: ﴿ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ﴾ اليوم.
﴿ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ من الدواب وغيرها.
﴿ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾، يعني هو أنطقكم أول مرة من قبلها في الدنيا، قبل أن ننطق نحن اليوم.
﴿ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [آية: ٢١]، يقول: إلى الله تردون في الآخرة، فيجزيكم بأعمالكم، في التقديم. وذلك أن هؤلاء النفر الثلاثة كانوا في ظل الكعبة يتكلمون، فقال أحدهما: هل يعلم الله ما تقول؟ فقال الثاني: إن خفضنا لم يعلم، وإن رفعنا علمه، فقال الثالث: إن كان الله يسمع إذا رفعنا، فإنه يسمع إذا خفضنا، فسمع قولهم عبدالله بن مسعود، فأخبر بقولهم النبى صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله في قولهم: ﴿ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ ﴾، يعني تستيقنون، وقالوا: تستكتمون.
﴿ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَـٰكِن ظَنَنتُمْ ﴾، يعني حسبتم.
﴿ أَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ٢٢]، يعني هؤلاء الثلاثة، قول بعضهم لبعض: هل يعلم الله ما نقول؟ لقول الأول والثاني والثالث، يقول: حسبتم ﴿ أَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ ﴾.
﴿ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ ﴾، يقول: يقينكم الذي أيقنتم بربكم وعلمكم بالله بأن الجوارح لا تشهد عليكم، ولا تنطق، وأن الله لا يخزيكم بأعمالكم الخبيثة.
﴿ أَرْدَاكُمْ ﴾، يعني أهلككم سوء الظن.
﴿ فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ ٱلُخَاسِرِينَ ﴾ [آية: ٢٣] بظنكم السيىء، كقوله لموسى:﴿ فَتَرْدَىٰ ﴾[طه: ١٦]، يقول فتهلك.
﴿ فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ ٱلُخَاسِرِينَ ﴾، يعني من أهل النار.﴿ فَإِن يَصْبِرُواْ ﴾ على النار.
﴿ فَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ ﴾، يعني فالنار مأواهم.
﴿ وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ ﴾ في الآخرة.
﴿ فَمَا هُم مِّنَ ٱلْمُعْتَبِينَ ﴾ [آية: ٢٤]، يقول: وإن يستقيلوا ربهم في الآخرة، فما هم من المقالين، لا يقبل ذلك منهم.


الصفحة التالية
Icon