قوله: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ ﴾ وذلك" أن النبي صلى الله عليه وسلم صالح أهل مكة يوم الحديبية، وكتب بينه وبينهم كتاباً فكان في الكتاب أن من لحق أهل مكة من المسلمين، فهم لهم، ومن لحق منهم بالنبي صلى الله عليه وسلم رده عليهم، وجاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم اسمها سبيعة بنت الحارث الأسلمية، في الموادعة، كانت تحت صيفى بن الراهب من كفار مكة فجاء زوجها يطلبها، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: " ردها علينا فإن بيننا وبينك شرطاً "، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنما كان الشرط في الرجال، ولم يكن في النساء ". فأنزل الله تعالى: ﴿ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ ﴾ ﴿ فَٱمْتَحِنُوهُنَّ ﴾ يعني سبيعة فامتحنها النبي صلى عليه وسلم فقال: بالله، ما أخرجك من قومك حدتاً، ولا كراهية لزوجك، ولا بغضا له، ولا خرجت إلا حرصاً على الإسلام ورغبة فيه، ولا تريدين غير ذلك؟ فهذه المحنة يقول الله تعالى: ﴿ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ ﴾ من قبل المحنة يعني سبيعة ﴿ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ ﴾ يعني فلا تردوهن ﴿ إِلَى ﴾ أزواجهن ﴿ ٱلْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ﴾ يقول لا تحل مؤمنة لكافر، ولا كافر لمؤمنة، قال: ﴿ وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ ﴾ يقول أعطوا أزواجهم الكفار ما أنفقوا عليهن من المهر يعني يرد المهر يتزوجها من المسلمين فإن لم يتزوجها أحد من المسلمين فليس لزوجها الكافر شيئاً ﴿ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ ﴾ يعني ولا حرج عليكم ﴿ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ ﴾ يقول: إذا أعطيتموهن ﴿ أُجُورَهُنَّ وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلْكَوَافِر ﴾ يعني بعقد الكوافر يقول: لا تعتد بأمرأتك الكافرة، فإنها ليست لك بامرأة يقول: هذا الذي يتزوج هذه المهاجرة، وذلك أن المرأة الكافرة تكون في موضع من قومها، ولها أهل كثير فيمسكها إرادة أن يتعزز بأهلها وقومها من الناس، فتزوجها عمر بن الخطاب. ويقال: تزوجها أبو السنابل بن بعكك ابن السباق بن عبد الدار بن قصي، وفيه نزلت هذه الآية وفي أصحابه، وكانت امرأة عمر بن الخطاب، رضي الله عنها، بمكة واسمها قريبة بنت أبى أمية، وهشام بن العاص بن وائل، وامرأته هند بنت أبي جهل، وعياض بن شداد الفهري وامرأته أم الحكم بنت أبي سفيان، وشماس بن عثمان المخزومي، وامرأته يربوع بنت عاتكة، وعمرو بن عبد عمرو، وهو ذو اليدين، وامرأته هند بنت عبد العزى، فتزوج امرأة عمر بن الخطاب أبو سفيان بن حرب، فقال الله تعالى في المخاطبة: ﴿ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلْكُفَّارِ ﴾ إلى آخر الآية، هذا محكم لم ينسخ، ونسخت براءة النفقة.﴿ وَاسْأَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ ﴾ يقول: إن ذهبت امرأة أحدكم إلى الكفار، فسألوا الذي يتزوجها أن يرد مهرها على زوجها المسلم والنفقة، ثم قال: ﴿ وَلْيَسْأَلُواْ مَآ أَنفَقُواْ ﴾ من المهر يقول: إن جاءت امرأة من أهل مكة مهاجرة إليهم فليرد الذي يتزوجها مهرها على زوجها الأول، فإن تزوجت إحدى المرأتين اللتان جاءتا مسلمة ولحقت بكم، ولم تتزوج الأخرى فليرد الذي يتزوجها مهرها على زوجها، وليس لزوج المرأة الآخرى مهر، حتى تتزوج امرأته، فإن لم يعط كفار مكة المهر طائعين، فإذا ظهرتم عليهم، فخذوا منهم المهر، وإن كرهوا، كان هذا لأهل مكة خاصة موادعة، فذلك قوله: ﴿ ذَلِكُمْ حُكْمُ ٱللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ﴾ يعني بين المسلمين والكافرين في أمر النفقة ﴿ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ ﴾ بخلقه ﴿ حَكِيمٌ ﴾ [آية: ١٠] في أمره حين حكم النفقة. ثم نسخ هذا كله آية السيف في براءة، غير هذه الحرفين ﴿ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ﴾ [التوبة: ٥].


الصفحة التالية
Icon