﴿ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَيْ آدَمَ ﴾، يقول: اتل يا محمد على أهل مكة نبأ ابنى آدم.
﴿ بِٱلْحَقِّ ﴾ ليعرفوا نبوتك، يقول: اتل عليهم حديث ابنى آدم هابيل وقابيل، وذلك أن حواء ولدت فى بطن واحد غلاماً وجارية، قابيل وإقليما، ثم ولدت فى البطن الآخر غلاماً وجارية، هابيل وليوذا، وكانت أخت قابيل أحسن من أخت هابيل، فلما أدركا، قال آدم، عليه السلام، ليتزوج كل واحد منهما أخت الآخر، قال قابيل: لكن يتزوج كل واحد منهما أخته التى ولدت معه، قال آدم، عليه السلام: قربا قرباناً، فأيما تقبل قربانه كان أحق بهذه الجارية. وخرج آدم، عليه السلام، إلى مكة، فعمد قابيل، وكان صاحب زرع، فقرب أخبث زرعه البر المأكول فيه الزوان، وكان هابيل صاحب ماشية، فعمد فقرب خير غنمه مع زبد ولبن، ثم وضعا القربان على البجل، وقاما يدعوان الله عز وجل، فنزلت نار من السماء، فأكلت قربان هابيل، وتركت قربان قابيل، فحسده قابيل، فقال لهابيل: لأقتلنك، قال هابيل: يا أخى، لا تلطخ يدك بدم برئ، فترتكب أمراً عظيماً، إنما طلبت رضا والدى ورضاك، فلا تفعل، فإنك إن فعلت أخزاك الله بقتلك إياى بغير ذنب ولا جرم، فتعيش فى الدنيا أيام حياتك فى شقوة ومخافة فى الأرض، حتى تكون من الخوف والحزن أدق من شعر رأسك، ويجعلك إلهى معلوناً. فلم يزل يحاوره حتى انتصف النهار، وكان فى آخر مقالة هابيل لقابيل: إن أنت قتلتنى كنت أول من كتب عليه الشقاء، وأول من يساق إلى النار من ذرية والدى، وكنت أنا أول شهيد يدخل الجنة، فغضب قابيل، فقال: لا عشت فى الدنيا، ويقال: قد تقبل قربانه ولم يتقبل قربانى، فقال له هابيل: فتشقى آخر الأبد، فغضب عند ذلك قابيل، فقتله بحجر دق رأسه، وذلك بأرض الهند عشية، وآدم، عليه السلام، بمكة، فذلك قوله عز وجل: ﴿ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ ﴾ [آية: ٢٧].
﴿ لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ٢٨].
﴿ إِنِّيۤ أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ ﴾ [آية: ٢٩].
﴿ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ ﴾، يقول: فزينت له نفسه قتل أخيه.
﴿ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ ﴾ [آية: ٣٠].
قال: وكان هابيل قال لأخيه قابيل: ﴿ لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي... ﴾ إلى قوله: ﴿ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ ﴾، يعنى أن ترجع بإثمى بقتلك إياى، وإثمك الذى عملته قبل قتلى.
﴿ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ ﴾، يعنى جزاء من قتل نفساً بغير جرم، فلما قتله عشية من آخر النهار، لم يدر ما يصنع، وندم ولم يكن يومئذ على الأرض بناء ولا قبر، فحمله على عاتقه، فإذا أعيى وضعه بين يديه، ثم ينظر إليه ويبكى ساعة، ثم يحمله، ففعل ذلك ثلاثة أيام. فلما كان فى الليلة الثالثة، بعث الله غرابين يقتتلان، فقتل أحدهما صاحبه وهو ينظر، ثم حفر بمنقاره فى الأرض، فلما فرغ منه، أخذ بمنقاره رجل الغراب الميت، حتى قذفه فى الحفيرة، ثم سوى الحفيرة بالأرض، وقابيل ينظر، فذلك قوله تعالى: ﴿ فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي ٱلأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ ﴾ قابيل ﴿ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـٰذَا ٱلْغُرَابِ ﴾، يقول: أعجزت أن أعلم من العلم مثل ما علم هذا الغراب.
﴿ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي ﴾، يقول: فأغطى عورة أخى كما وارى الغراب صاحبه.
﴿ فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلنَّادِمِينَ ﴾ [آية: ٣١] بقتله أخاه. فعمد عند ذلك قابيل، فحفر فى الأرض بيده، ثم قذف أخاه فى الحفيرة، فسوى عليه تراب الحفيرة كما فعل الغراب بصاحبه، فلما دفنه ألقى الله عز وجل عليه الخوف، يعنى على قابيل؛ لأنه أول من أخاف، فانطلق هارباً، فنودى من السماء: يا قابيل، أين أخوك هابيل؟ قال: أو رقيباً كنت عليه؟ ليذهب حيث شاء، قال المنادى: أما تدرى أين هو؟ قال: لا، قال المنادى: إن لسانك وقلبك ويديك ورجليك وجميع جسدك يشهدون عليك أنك قتلته ظلماً، فلما أنكر شهدت عليه جوارحه، فقال المنادى: أين تنجو من ربك؟ إن إلهى يقول: إنك ملعون بكل أرض، وخائف ممن يستقبلك، ولا خير فيك ولا فى ذريتك. فانطلق جائعاً، حتى أتى ساحل البحر، فجعل يأخذ الطير، فيضرب بها الجبل، فيقتلها ويأكلها، فمن أجل ذلك حرم الله الموقوذة، وكانت الدواب، والطير، والسباع، لا يخاف بعضها من بعض، حتى قتل قابيل هابيل، فلحقت الطير بالسماء، والوحش بالبرية والجبال، ولحقت السباع بالغياض، وكانت قبل ذلك تستأنس إلى آدم، عليه السلام، وتأتيه، وغضبت الأرض على الكفار من يومئذ، فمن ثم يضغط الكافر فى الأرض حتى تختلف أضلاعه، ويتسع على المؤمن قبره حتى ما يرى طرفاه، وتزوج شيت بن آدم ليوذا التى ولدت مع هابيل، وبعث الله عز وجل ملكاً إلى قابيل فعلق رجله، وجعل عليه ثلاث سرادقات من نار، كلما دار دارت السرادقات معه، فمكث بذلك حيناً، ثم حل عنه.﴿ مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ ﴾، يعنى من أجل بنى آدم، تعظيماً للدم.
﴿ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ﴾ فى التوراة ﴿ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ ﴾ عمداً.
﴿ أَوْ فَسَادٍ فِي ٱلأَرْضِ ﴾، أو عمل فيها بالشرك، وجبت له النار، ولا يعفى عنه حتى يقتل.
﴿ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً ﴾، أى كما يجزى النار لقتله الناس جميعاً لو قتلهم، ثم قال سبحانه: ﴿ وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ﴾، وذلك أنه مكتوب فى التوراة أنه من قتل رجلاً خطأ، فإن يقاد به، إلا أن يشاء ولى المقتول أن يعفو عنه، فإن عفا عنه، وجبت له الجنة، كما تجب له الجنة لو عفا عن الناس جميعاً، فشدد الله عز وجل عليهم القتل؛ ليحجز بذلك بعضهم عن بعض، ثم قال سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِٱلّبَيِّنَاتِ ﴾، يعنى بالبيان فى أمره ونهيه.
﴿ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ ﴾ البيان ﴿ فِي ٱلأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ﴾ [آية: ٣٢]، يعنى إسرافاً فى سفك الدماء واستحلال المعاصى.