قوله سبحانه: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ ﴾، وذلك حين هزموا يوم أُحُد، شك أناس من المسلمين، فقالوا ما قالوا: ﴿ فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾، فارتد بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنو تميم، وبنو حنيفة، وبنو أسد، وغطفان، وأُناس من كندة، منهم الأشعث بن قيس، فجاء الله عز وجل بخير من الذين ارتدوا، بوهب بطن من كندة، وبأحمس بجيلة، وحضرموت، وطائفة من حمير وهمذان، أبدلهم مكان الكافرين. ثم نعتهم، فقال سبحانه: ﴿ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ بالرحمة واللين.
﴿ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ ﴾، يعنى عليهم بالغلظة والشدة، فسدد الله عز وجل بهم الدين.
﴿ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ﴾ العدو، يعنى فى طاعة الله.
﴿ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاۤئِمٍ ﴾، يقول: ولا يبالون غضب من غضب عليهم.
﴿ ذٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ ﴾، يعنى دين الإسلام.
﴿ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ ﴾ لذلك الفضل.
﴿ عَلِيمٌ ﴾ [آية: ٥٤] لمن يؤتى الإسلام، وفيهم نزلت وفى الإبدال:﴿ وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوۤاْ أَمْثَالَكُم ﴾[محمد: ٣٨].
وقوله سبحانه: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾ [آية: ٥٥]، وذلك أن عبدالله بن سلام وأصحابه قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم عند صلاة الأولى: إن اليهود أظهروا لنا العداوة من أجل الإسلام، ولا يكلموننا، ولا يخالطوننا فى شئ، ومنازلنا فيهم، ولا نجد متحدثاً دون هذا المسجد، فنزلت هذه الآية، فقرأها النبى صلى الله عليه وسلم، فقالوا: قد رضينا بالله ورسوله وبالمؤمنين أولياء، وجعل الناس يصلون تطوعاً بعد المكتوبة، وذلك فى صلاة الأولى." وخرج النبى صلى الله عليه وسلم إلى باب المسجد، فإذا هو بمسكين قد خرج من المسجد، وهو يحمد الله عز وجل، فدعاه النبى صلى الله عليه وسلم، فقال: " هل أعطاك أحد شيئاً؟ "، قال: نعم يا نبى الله، قال: " من أعطاك؟ "، قال: الرجل القائم أعطانى خاتمه، يعنى على بن أبى طالب، رضوان الله عليه، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: " على أى حال أعطاكه؟ "، قال: أعطانى وهو راكع، فكبر النبى صلى الله عليه وسلم، وقال: " الحمد لله الذى خص عليّاً بهذه الكرامة "، فأنزل الله عز وجل: ﴿ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾ ﴿ وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾، يعنى على بن أبى طالب، رضى الله عنه.
﴿ فَإِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْغَالِبُونَ ﴾ [آية: ٥٦]، يعنى شيعة الله ورسوله والذين آمنوا هم الغالبون، فبدأ بعلى بن أبى طالب، رضى الله عنه، قبل المسلمين، ثم جعل المسلمين وأهل الكتاب المؤمنين، فيهم عبدالله بن سلام وغيره هم الغالبون لليهود، حين قتلوهم وأجلوهم من المدينة إلى الشام وأذرعات وأريحا. قوله سبحانه: ﴿ يَـۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾، يعنى المنافقين الذين أقروا باللسان وليس الإيمان فى قلوبهم.
﴿ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَكُمْ ﴾ الإسلام ﴿ هُزُواً وَلَعِباً ﴾، يعنى استهزاء وباطلاً، وذلك أن المنافقين كانوا يوالون اليهود فيتخذونهم أولياء، قال: ﴿ مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ ﴾، يعنى اليهود.
﴿ مِن قَبْلِكُمْ ﴾؛ لأنهم أعطوا التوراة قبل أمة محمد صلى الله عليه وسلم، يقول: لا تتخذونهم أولياء.
﴿ وَ ﴾ لا تتخذوا ﴿ وَٱلْكُفَّارَ أَوْلِيَآءَ ﴾، يعنى كفار اليهود ومشركى العرب، ثم حذرهم، فقال: ﴿ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ٥٧]، يعنى إن كنتم مصدقين، فلا تتخذونهم أولياء، يعنى كفار العرب، حين قال عبدالله بن أبى، وعبدالله بن نتيل، وأبو لبابة، وغيرهم من اليهود: لئن أُخرجتم لنخرجن معكم، حين كتبوا إليهم.